وَمن الْمَعْلُوم عِنْد أهل الْمعرفَة من الْمُسلمين أَن النَّصَارَى مَا استدلوا على السواحل الشامية إِلَّا من جهتهم وهم دَائِما مَعَ كل عَدو للْمُسلمين وَمن أعظم المصائب عِنْدهم انتصار الْمُسلمين على النَّصَارَى والتتار وَمن أعظم أعيادهم إِذا استولى وَالْعِيَاذ بِاللَّه النَّصَارَى على ثغور الْمُسلمين وبلادهم وبسببهم استولى النَّصَارَى على الْقُدس وَغَيره وبسببهم استولى التتار على بَغْدَاد وَقتلُوا الْخَلِيفَة وَقتلُوا من أهل بَغْدَاد مَالا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله وأحرقوا الْكتب الإسلامية وأفسدوا فَسَادًا عَظِيما ثمَّ لما أَقَامَ الله مُلُوك الْمُسلمين الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله كنور الدّين الشَّهِيد وَصَلَاح الدّين وأتباعهما وفتحوا السواحب واستخلصوا الْبِلَاد الإسلامية من أَيدي النَّصَارَى وَمِمَّنْ كَانَ بهَا مِنْهُم وفتحوا أَيْضا أَرض مصر واستنفذوها من العبيدين الَّذين كَانُوا على دين هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَة القرامطة فَمن ذَلِك التَّارِيخ انتشرت دَعْوَة الْإِسْلَام بالبلاد المصرية والشامية وَلَهُم ألقاب مَعْرُوفَة عِنْد الْمُسلمين فَتَارَة يسمون الْمَلَاحِدَة وَتارَة يسمون القرامطة وَتارَة يسمون الباطنية وَتارَة يسمون الاسماعيلية وَتارَة يسمون النصيرية وَتارَة يسمون الخرمية وَتارَة يسمون المحمرة
كَمَا قَالَ الْعلمَاء فيهم ظَاهر مَذْهَبهم الرَّفْض وباطنه الْكفْر الْمَحْض وَحَقِيقَة أَمرهم أَنهم يكفرون بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر
وهم تَارَة يبنون قَوْلهم على مَذْهَب المتفلسفة الطبيعين وَتارَة يبنونه على قَول الْمَجُوس الَّذِي يعْبدُونَ النُّور وَتارَة على غير ذَلِك من دُيُون الوثنيين
ويتدرجون من كل إِلَى االرفض ويموهون على الْعَامَّة بالاحتجاج بتحريف الْآيَات وَالْأَحَادِيث أَو بِالْكَذِبِ على الله وَرَسُوله كَمَا يَزْعمُونَ كذبا أَن أول مَا خلق الله الْعقل حَدِيث وَهُوَ من وضعهم وكذبهم على قَوَاعِد الفلسفة اليونانية والهندية والمصرية الْقَدِيمَة الْقَائِلين أول الصادرات عَن وَاجِب الْوُجُود هُوَ الْعقل الْكُلِّي وَقد دخل كثير من باطلهم على كثير من الْمُسلمين وراج عَلَيْهِم حَتَّى صَار فِي كتب طوائف من المنتسبين إِلَى الْعلم وَالدّين