فَإِن قَالَ الدَّلِيل على ذَلِك النَّقْل وَالْعقل أما النَّقْل فَهُوَ أَن الْعَاقِل إِذا أقرّ بِأَن الله خَاطب مُوسَى بِصَوْت مسموع أَو ظهر فِي صُورَة مرئية فقد أقرّ بِأَن الله خص ذَلِك الصَّوْت وَتلك الصُّورَة بِمَا لم يخص بِهِ شَيْئا من الْمَخْلُوقَات إِذْ تجلى هُوَ فِيهَا وَإِذا ثَبت ذَلِك فالعقل يشْهد بِأَن ذَلِك الصَّوْت وَتلك الصُّورَة شرِيف وَالصَّوْت لابد أَن يعْتَرف لشرفه وَينزل مَنْزِلَته وَلَا أشرف من الله تَعَالَى وَمَا ظهر فِيهِ الله تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَن يعظم بأقصى رتب التَّعْظِيم ويعبد بِأَجل الْعِبَادَات فَخرج من هَذَا أَنه يجب عقلا أَن تعظم الصُّورَة لتعظيم الْحَال فِيهَا فتخاطب بإسم الرب ويعترف لَهَا بالربوبية والألوهية
وَأما الشَّرْع فَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْعقل جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع أَلا ترى أَن مُوسَى خَاطب الصَّوْت بإسم الربوبية وَكَذَلِكَ من رأى الصُّورَة إِنَّمَا يرى صُورَة الله وَالله تَعَالَى مُعظم بِالشَّرْعِ وَالْعقل فَتلك الصُّورَة يَنْبَغِي أَن تكون معظمة بِالشَّرْعِ وَالْعقل أَلا ترى أَن الشَّرَائِع قد أمرتنا بتعظيم الْمَلَائِكَة وإهانة الشَّيَاطِين وَلَيْسَ يخفى أَن الْعَرْش أعظم من السَّمَاء وَأَن الْمشرق أعظم من الْمغرب وَأَن الصَّالِحين أعظم من الطالحين وَهَذَا كُله يشْهد لَهُ الْعقل وَالنَّقْل كَمَا سبق