الْجَواب أَن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّاس كَافَّة وَإِلَى جَمِيع أهل الْملَل عَامَّة نصرانيهم ويهوديهم وَغير ذَلِك فَبَلغهُمْ مَا أمره الله فَكَلَّمَهُمْ فناصبوه العداة وأبدوا لَهُ صفحة الْخلاف وهموا بِإِبْطَال دَعوته وإطفاء كَلمته وبذلوا فِي ذَلِك غَايَة جدهم واستفرغوا أقْصَى جهدهمْ فنصبوا لحربه وعزموا على قَتله ونهبه ومرسله يَقُول لَهُ {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
فَأول من حاربه كفار قُرَيْش فأظفره الله بهم وأظهره عَلَيْهِم ثمَّ حاربته يهود فأمكنه الله مِنْهُم وَملكه أَرضهم وديارهم فَقتل وسبأ وَأسر فعلا عَلَيْهِم وَظهر ثمَّ حاربته النَّصَارَى فغزاهم بتبوك وَدخل عَلَيْهِم بِلَادهمْ وافتتح فِي طَرِيقه حصونا لَهُم ولغيرهم وأظهره الله عَلَيْهِم وَضرب على كثير من مُلُوكهمْ الْجِزْيَة
ثمَّ إِن أَصْحَابه بعده لم يزَالُوا على مثل حَاله يُقَاتلُون كل من كفر بِاللَّه وَلَا يخَافُونَ لومة لائم فِي الله فَلَقَد صيروا مُلُوك الرّوم وَغَيرهم أَذِلَّة أهل صغَار وجزية وذلة ثمَّ لم يزل دين الْإِسْلَام مَعَ مُرُور الْأَيَّام ينتشر بِكُل مَكَان وَيظْهر وَغَيره من الْأَدْيَان يقل ويصغر
وحسبك شَاهدا على ذَلِك فتح هَذِه الجزيرة الأندلسية