للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكل ذَلِك من حَاله وحالهم مَعْرُوف بِحَيْثُ لَا يجهل ومشهور بِحَيْثُ لَا يُنكر نعم رَحمته للْمُؤْمِنين وغلظته على الْكَافرين

وَكَذَلِكَ وَصفه الله فِي كتبه وعَلى لِسَان رسله قَالَ الله الْعَظِيم فِي مُحكم وحيه الْكَرِيم {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} وَكَذَلِكَ كَانَت أَحْوَال أَصْحَابه قَالَ الله تَعَالَى {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} وَلَيْسَ كَمَا تقولونه أَنْتُم عَن أَصْحَاب عِيسَى أَنه لما تقبضت الْيَهُود عَلَيْهِ فروا عَنهُ وأنكروه وحلفوا على أَنهم لم يعرفوه فأسلموه وتركوه

وَقد بَينا فِيمَا تقدم مَا ذكرت الْأَنْبِيَاء من أَوْصَافه وعَلى أَنه لم يغلظ على الْكَافرين حَتَّى تمردوا على الله وكذبوا رسالات الله وَذَلِكَ أَنه أَقَامَ بَين أظهرهم عشر سِنِين أَو نيفا عَلَيْهَا يَدعُوهُم إِلَى الله على سَبِيل الْوَعْظ والإنذار والتعليم والتبليغ وَإِظْهَار الْآيَات والعجائب ملينا لَهُم القَوْل ومظهرا لَهُم الإشفاق وباذلا لَهُم النَّصِيحَة صَابِرًا بِنَفسِهِ على مَا يلقى من أذاهم وَمن سبهم وهم مَعَ ذَلِك يبالغون فِي ضَرَره بِكُل مَا يُمكن وَكلما ألح عَلَيْهِم بالإنذار زادوا فِي الْإِضْرَار حَتَّى هموا بقتْله وطرده عَن بَلَده وَأَهله

وَبعد ذَلِك أمره الله بالإنتصار مِمَّن ظلمه وَإِخْرَاج من أخرجه وَلذَلِك أنزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير}

وَأما قَوْله والتحريض على قتال من خَالفه فَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يعاب بِهِ دين فَإِن الْكَافِر بِالْحَقِّ لَا حُرْمَة لَهُ وجنايته أكبر من كل جِنَايَة فعقوبته يَنْبَغِي أَن تكون أكبر من كل عُقُوبَة لَا سِيمَا بعد أَن تقدم للْكَافِرِينَ بالأعذار وبولغ لَهُم فِي الْإِنْذَار وَلأَجل أَن الْكَافِر لَا حُرْمَة لَهُ عِنْد الله يُعَاقِبهُ فِي الدَّار الْآخِرَة عُقُوبَة لَا إنقطاع لَهَا بإتفاق الشَّرَائِع

وَإِن جَازَ أَن يعاب شرعنا لِأَنَّهُ جَاءَ بِقِتَال الْكَافرين جَازَ أَن يعاب شرع مُوسَى فَإِنَّهُ جَاءَ بِقِتَال الجبارين على مَا لَا يخفى على

<<  <   >  >>