فَعلم ببديهة عقله، أَن لَهُ صانعا قَدِيما قَدِيرًا، يسر لَهُ المآرب تيسيرا، وتمم لَهُ الْمصَالح تتميما، ثمَّ أطاف بِهِ من الشَّرِيعَة حمى حصينا، وبوأه بِهِ من عصمَة النَّفس وَالْمَال، حرما أَمينا [وأسلكه من رفقه ولطفه، سَبِيلا مُبينًا] ، وَأوردهُ من هدايته وإرشاده، مشرعا معينا، وألزمه من وظايف التَّكْلِيف، مَفْرُوضًا ومسنونا، ومحظورا ومحتوما. وَالْحَمْد لله الَّذِي لَا تحصى ضروب نعمه المترادفة، وَلَا تنفد خزاين رَحمته، مَعَ اتِّصَال سحايبها الواكفة، وَلَا يتجهم وُجُوه وجوده على [كَثْرَة الأكف المستمدة من فيض بحورها] الغارقة، وَلَا يعْدم من لَجأ إِلَيْهِ وتوكل عَلَيْهِ فضلا جسيما. فَبِأَي مواهبه العميمه، يغرى لِسَان التَّحْمِيد، وَفِي أَي بَاب من أَبْوَاب آلايه [الْكَرِيمَة] يحط ركاب التمجيد، أبنعمة الْخلق أم بِنِعْمَة الرزق، أم بِنِعْمَة التَّوْحِيد. لقد بهرت آلَاء ذِي الْعَرْش الْمجِيد، خُصُوصا وعموما، وَمن عنايته جلّ جَلَاله، بِهَذَا النَّوْع الَّذِي فَضله بِالْعقلِ على كثير من خلقه، وشرفه لما عرفه طَرِيق الْقيام بِحقِّهِ، أَن جعل الآخر مِنْهُ كَالْأولِ، فِي سلوك سَبِيل الْخَيْر، وَاتِّبَاع طرقه، وَجعل لَهُ بِمُقْتَضى لطفه ورفقه، حدودا يقتفي آثارها ورسوما. فسكن بِمَا شرع لَهُ من الْإِحْصَان، بعضه إِلَى بعض، وهيأ لَهُ بالتناسل بَقَاء النَّوْع وَعمْرَان الأَرْض، وَجعل لَهُ التعاون على وظايف الدُّنْيَا، والإعداد إِلَى يَوْم الْعرض، فَحفِظت رسوم الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية، بالمثابرة عَلَيْهَا والحض، وأينعت أدواح الرشد، بعد أَن كَانَت هشيما. نحمده سُبْحَانَهُ، حمد معترف بتقصيره، عَاجز من حَقه الْوَاجِب على أَدَاء كبيره، ملق زِمَام التَّفْوِيض، إِلَى لطيف تَدْبيره، مستزيد من مواهب هدايته وتبصيره،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute