للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَعَادَة شَبيهَة الْقَمَر عِنْد انْتِقَاله، وَهُوَ الْآن بدولة ملك الْمغرب أيده الله، جملَة من جمل الْكَمَال، ومظنة للآمال، تغرى بثناية الألسن، ويروى من أَحَادِيثه مَا يَصح وَيحسن، وَورد على هَذِه الْبِلَاد وُرُود الْكرَى على مقلة الساهر، واحتلها احتلال النسيم بَين الأزاهر، وجمعني وإياه بعض الْأَسْفَار فِي غزوات الْكفَّار، فاجتنيت مِنْهُ الفرايد بَين فُرَادَى ومثنى، واجتليت مِنْهُ المحاسن حسا وَمعنى، وَقد أثبت من أدبه، مَا يستعير النسيم العاطل عرفه، ويحشد الرَّوْض حسنه وظرفه.

وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي الْحجَّاج الطرطوشي

روض أدب لَا تعرف الذوى أزهاره، ومجموع فضل لَا تخفى آثاره. كَانَ رَحمَه الله صَدرا من صُدُور زَمَانه، وَمِمَّنْ تربى ترايب المهارق بجمانه، وتتحلى لباتها بقلايد عقيانه، إِلَى ظرف يستهوى النُّفُوس ويستميلها، وفكاهة تهز أعطاف الْوَقار وتجيلها، ودعابة تركض أَفْرَاس الطّرف وتجيلها، وَمَعْرِفَة فسيحة المدى، اتَّشَحَ بفضلها، وارتدى، وغبر فِي وَجه من رَاح بميدانها أَو غَدا. وَكَانَ فِي فنون الْأَدَب، مُطلق الأعنة، وَفِي مغازيه ماضى الظبا والأسنة، فَإِن هزل، وَإِلَى تِلْكَ الطَّرِيقَة اعتزل، أبرم فِي الْغَزل مَا غزل، وبذل من دنان رَاحَته مَا بذل، وَإِن صرف إِلَى الْمغرب غرب لِسَانه، وأعاره لمحة من لمحات إحسانه، أطاعه عاصيه، واستجمعت لَدَيْهِ أقاصيه، وَفد على الحضرة الأندلسية، وَالدُّنْيَا شَابة، وريح الْقبُول هابة، فَكتب عَن سلطانها، واجتلى محَاسِن أوطانها، ومدح بعض أملاكها، وعشا إِلَى أنوار أفلاكها. ثمَّ كرّ إِلَى وَطنه وَعطف، وأسرع اللحاق بجوه كالبرق إِذا خطف، فورد من الْعِنَايَة الْحِيَاض الفاهقة والنطف، وَحل رياض الْكَرَامَة فَبَصر ماشا وقطف. وَتصرف فِي الْقَضَاء بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>