للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله الطرطوشي

مَعْدُود فِي الصُّدُور، ومنظوم فِي الشذور، ومحسوب فِيمَن أطلعته آفَاق هَذِه الدّور، من النُّجُوم المشرقة والبدور، ينظر فِي مَعْقُول ومنقول، ويستظهر على المشكلات بفرند ذهن مصقول، إِلَى خطّ وظرف، وفكاهة كالروض فِي مرأى وَعرف، موقى من الْبر سناما، وَلَقي من الدولة النصرية إِكْرَاما، إِلَى أَن فسد مَا بَين مدبرها ابْن المحروق وَبَينه، ونحيت لَهُ عَنهُ هَنَات أوغرت صَدره، وأقدت عينه، فغربه بعد مَا قربه، وجفاه من بعد مَا اصطفاه، فجم فِي الاغتراب حِينه، وَاقْتضى فِي بعض الْبِلَاد الإفريقية دينه، وَكَانَ لَا ينتحل الشّعْر بضَاعَة، وَلَا يعول عَلَيْهِ صناعَة، وَرُبمَا رمى غَرَضه فَأصَاب، واستمطر لَهُ غمام معارفه فَأصَاب.

وَمن ذَلِك فِي وصف الفقية أبي عبد الله بن الْحَاج من أهل مالقة

شَاعِر اتخذ النّظم بضَاعَة، وَمَا ترك السَّعْي فِي مذاهبه سَاعَة، أجْرى فِي الملا لَا فِي الخلا، وَجعل دلوه فِي الدلا، وركض فِي حلبة النجباء والنجايب، وَرمى بَين الخواطر بِسَهْم صائب، فَخرج بهرجه ونفق، وارتفد بِسَبَبِهِ وارتفق. وَهُوَ الان قد سالمته السنون، وكأنما أَمن الْمنون، وَهُوَ رجل مكفوف الْأَذَى، حسن الْحَالة، إِلَّا إِذا هذى.

وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ الْوَزير أبي عَليّ بن غفرون

شيخ خدم، فَأم لَهُ الدَّهْر فِيهَا على قدم، وَصَاحب تَعْرِيض ودهاء عريض. أَصله من حصن منتفريد حرسه الله، خدم الدولة النصرية عِنْد انتزاء أَهله، وَكَانَ مِمَّن اسْتَنْزَلَهُمْ من حزنه إِلَى سهله، وَحكم الْأَمر العلى فِي يافعه وكهله، فاكتسب حظوة أرضته، ووسيلة أرهقته وأمضته، حَتَّى عظم جاهه وَمَاله، وبسقت آماله. ثمَّ دالت الدول، وتنكرت أَيَّامه الأول، وتغلب من يجانسه، وشقي بِمن كَانَ ينافسه، فجف عوده، والتأثت سعوده، وَهلك والخمول بعله، والدهر يقوته

<<  <  ج: ص:  >  >>