للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن عمرَان التّونسِيّ

كَاتب الْخلَافَة، ومشعشع الْأَدَب المزرى بالسلافة. كَانَ رَحمَه الله بَطل مجَال، وَرب روية وارتجال، قدم على هَذِه الْبِلَاد وَقد نبا وَطنه. وضاق بِبَعْض الْحَوَادِث عطنه، فَتلوم النسيم بَين الخمايل، وَحل فِيهَا مَحل الطّيب من الوشاح الجايل، ولبث مُدَّة إِقَامَته تَحت جراية وَاسِعَة، ومبرة يانعة، ثمَّ آثر قطره، فولى وَجهه شطره، واستقبله دهره بالإنابة، وقلده رياسة الْكِتَابَة، فاستقامت حَاله، وحطت رحاله. حَدثنِي من عَنى بأخباره أَيَّام مقَامه بريه، واستقراره، أَنه لَقِي بِبَاب الملعب من أَبْوَابهَا ذَات لَيْلَة ظَبْيَة من ظباء الْأنس، وفتنة من فتن هَذَا الْجِنْس، فَخَطب وصالها، وَاتَّقَى بمهجته نصالها، حَتَّى هَمت بالانقياد. وانعطفت انعطاف الْغُصْن المياد، وَأبقى على نَفسه وَأمْسك، وأنف من خلع العذار بعد مَا تنسك.

وَفِي وصف أبي عبد الله بن عبد الْملك من أهل مراكش

وقور أفرط حَتَّى أثقل، وقريع مجد مَسّه الِاحْتِيَاج فتنقل، رَحل من بَلَده مراكش لما جف حَوْضه، وصوح روضه، وَاتخذ ريه دَارا، واختارها قرارا، وَجَرت عَلَيْهِ جراية تبلغ بهَا، وارتفد بِسَبَبِهَا، رعيا لِأَبِيهِ، واحتراما لبيته النبيه. وَقد كَانَ أَبوهُ رَحمَه الله قَاضِيا صَدرا فِي عصره، وبدرا فِي هَالة قطره، رحب المجال، نَسِيج وَحده معرفَة بطرق الحَدِيث وَأَسْمَاء الرِّجَال، متبحرا فِي عُلُوم الْآدَاب، منتدبا لإِقَامَة رسم المعارف كل الانتداب، وَابْنه هَذَا متمسك من الْآدَاب بأذيالها، معزى بإدارة جريالها، إِلَى سرو عميم، ووفاء يثنى كل صديق لَهُ وحميم، وَلما تقلدت هَذِه الْبِلَاد بتقييد أرزاق الأجناد بادرت إِلَى تَقْدِيم واجبه، وإيثار جَانِبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>