للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن الْحَاجِب بتونس أبي عبد الله بن العشاب

جواد لَا يتعاطى طلقه، وَلَا يماثل بِالْفَجْرِ فلقه. كَانَت لِأَبِيهِ رَحمَه الله من الدول التونسية منزلَة لَطِيفَة الْمحل، ومفاوضة فِي العقد والحل، وَلم تزل تسمو بِهِ قدم النجابة من الْعَمَل إِلَى الحجابة، وَنَشَأ ابْنه هَذَا مفدى بالأنفس والعيون، مقضى الدُّيُون، حَالا من الضماير مَحل الظنون. والدهر ذُو ألوان، وماذق حَرْب عوان، وَالْأَيَّام كرات تتلقف، وأحوال لَا تتَوَقَّف، فألوى بهم الدَّهْر وأنحى [وَله غمام جوه تعقب مَا أضحى] وشملهم الاعتقال، وتعاورتهم النوب الثقال. واستقرت باخرة بالمشرق ركابه، وحطت بِهِ أقتابه، فحج وَاعْتمر، واستوطن تِلْكَ الْمعَاهد وَعمر، وَعَكَفَ على كتاب الله، فجود الْحُرُوف، [وَقَرَأَ الْخلف الْمَعْرُوف] وَقيد وَأسْندَ، وتكرر إِلَى دور الحَدِيث وَتردد، وَقدم على هَذِه الْبِلَاد قدوم النسيم البليل على كبد العليل. وَلما اسْتَقر بهَا قراره، واشتمل بجفنها غراره، بادرت إِلَى موانسته، وثابرت على مُجَالَسَته، فاجتليت للسرور شخصا، وطالعت ديوَان الوفا مستقصى. وَعلمت معنى الْكَلَام تَأْوِيلا ونصا، فَحَيَّا الله زمن اقترابه، فَلَقَد جاد. وأجاد وَأفَاد. مَالا أَخَاف عَلَيْهِ النفاد. وَأما شعره فَلَيْسَ بحايد عَن الْإِحْسَان، وَلَا غفل عَن غرر الْبَيَان.

وَمن ذَلِك فِي وصف صَاحب الْقَلَم الْأَعْلَى بالمغرب أبي مُحَمَّد عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ

الْفَذ الَّذِي يعدل بالألوف، والبطل الْمعلم عِنْد مناجزة الصُّفُوف، والمتقدم بِذَاتِهِ تقدم الْأَسْمَاء على الْحُرُوف، نَشأ بسبتة حرسها الله، بَين علم يُقَيِّدهُ [ومجد يشيده] وطهارة يسحب مطارفها، ورياسة يتفيأ وارفها، وَأَبوهُ رَحمَه الله قطب مدارها، ومقام حَجهَا واعتمارها، فسلك الحزون من المعارف والسهول، وبذ

<<  <  ج: ص:  >  >>