للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصلى بَين روضته الطاهرة ومحرابه، وتمتع مَا شَاءَ من لثم جِدَاره وانتشاق ترابه. وَدخل الشَّام فِي مُنْصَرفه، مستكثرا من عُيُون الْعلم وطرفه، وآب إِلَى جده. وَقد دون رحلته الْعَظِيمَة الإمتاع. وأتى مِنْهَا بِقَيْد النواظر والأسماع، وسماها " بمليء العيبة فِيمَا قيد بطول الْغَيْبَة إِلَى مَكَّة وطيبة " اسْم وَافق مُسَمَّاهُ، وَسَهْم أصَاب مرماه، وَلحق بالأندلس، فتهللت لقدومه أسرتها، واحتفنت لقراه درتها، وَأخذ عَنهُ صدورها، واستمدت من شمسه بدورها، وفعم مجالسها العلمية طيبا، وَصعد مِنْبَر الحضرة خَطِيبًا، ولطف من مدير الدولة النصرية ذِي الوزارتين ابْن الْحَكِيم مَحَله، وَفَاء عَلَيْهِ ظله لمودة بَينهمَا عقدت، ورسائل قبل الرياسة نفدت، فَإِنَّهُ كَانَ رَفِيق طَرِيقه، ومساعده على تشريقه، فَانْتَفع بِهِ لَدَيْهِ الْكثير وأنجح الآمال مَحَله الْأَثِير. وَلما محقت النكبة نوره، وَقصرت على العفاء قصوره، ضَاقَ بالخطيب رَحمَه الله الوطن ونبا بعده الموطن، فارتحل إِلَى الْمغرب، وَلم يزل بِهِ رفيع المكانة، صَدرا فِي أولى الْعلم والديانة، حَتَّى انصرم أَجله، وَانْقطع من الْحَيَاة أمله، وَكَانَ لَهُ شعر يتكلفه، وَلَا يكَاد لعدم شعوره بِالْوَزْنِ يتألفه، وَمَعَ ذَلِك، فَأعْلم أهل زَمَانه بالبديع وألقابه، وَالْكَلَام على أبوابه.

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن هَانِيء السبتي

علم تُشِير إِلَيْهِ الأكف، وَيعْمل إِلَى لقايه الْحَافِر والخف، عمر الرّبع بِبَلَدِهِ سبتة، وَقد قوضت الرّحال، وَأقَام رسم الْعلم، وَقد حَالَتْ الْحَال، وجاد بالوابل السجم عِنْدَمَا عظم الإمحال وَرفع للعربية راية لَا تتأخر، ومرج مِنْهَا لجة تزخر، فاتسع مجَال درسه، وأثمرت أَرْوَاح غرسه [فركض فِي تِلْكَ الميادين] ومرح، وَدون وَشرح، وجلى المشكلات، وداوى المعضلات، إِلَى شمايل تملك الطّرف زمامها،

<<  <  ج: ص:  >  >>