ونادرة راشت الدعاية سهامها. وَلما أَخذ الْمُسلمُونَ فِي منازلة الْجَبَل وحصاره، وَأَصَابُوا الْكفْر مِنْهُ بجارحة أبصاره، ورموا بالثكل مِنْهُ نازح أمصاره، كَانَ فِيمَن انتدب وتطوع، وَسمع الندا فأهطع، فلازمه حَتَّى نفد لأَهله الْقُوت، وَبلغ من فَتحه الْأَجَل الموقوت، فَأَقَامَ الصَّلَاة بمحرابه، وحياه، وَقد غير طول محياه، طول اغترابه، وبادره الطاغية قبل أَن يسْتَقرّ نصل الْإِسْلَام فِي قرَابَة، أَجله فلبى وأسرع. وَلما هدر عَلَيْهِ الفنيق، وركعت إِلَى قبْلَة المجانيق، أُصِيب بِحجر دوم عَلَيْهِ كالجارح المحلق، وانقض عَلَيْهِ انقضاض البارق المتألق، فاقتنصه واختطفه، وَعمد إِلَى زهره فقطفه، فَمضى إِلَى الله طوع نِيَّته، وصحبته غرابة المنازع حَتَّى فِي منيته. وَكَانَ لَهُ أدب قَاعد عَن مداه، وقاصر فِي جنب الْعلم الَّذِي اشتمله وارتداه.
وَمن ذَلِك فِي وصف أبي على الْحسن بن تذاررت
درة تحلى بهَا الدَّهْر العاطل، وعدة أنجزها للزمان الماطل، وغرة أطلعها الْعَصْر البهيم، وَفَائِدَة أنجبها الدَّهْر الْعَقِيم، ماشيت من خلق تدل على الْكَمَال مخايله، ومجد كرمت أواخره وأوايله، وأدب تحلت عذاراه وتبرجت عقايله. فَإِذا تنَاول الرّقاع ووشاها. وغشى الطروس من حلل بنانه وحلى بَيَانه بِمَا غشاها، ودت الخدود أَن تتمثل طرسا، والجفون السود أَن تكون لَهَا نفسا. ورد أَبوهُ رَحمَه الله على الْبِلَاد الأندلسية، فرحبت بمقدمه عَلَيْهَا، وجلت إِفَادَة وفادته إِلَيْهَا، وفاءت بهَا ظلال معارفه الَّتِي اغترس، ودرس فِيهَا علم الْأُصُول بعد مَا درس، وَتصرف فِي الْقَضَاء تصرف الْعَدَالَة والمضا. وَنَشَأ ابْنه هَذَا كريم النشأة والبداية، مكنوفا بِظِل الْعِنَايَة، وَتصرف فِي الْقَضَاء على حَدَاثَة سنه، وغضارة عودة، وَقرب الْعَهْد بتألق سعوده، ثمَّ حث ركاب ارتحاله، وبادر عزمه بِحل عقاله، فسعد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute