للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق الحسناني من أهل تونس

شَاعِر لَا ينضب طبعه، وَلَا يقفر ربعه، قصد الْمُلُوك وانتجع، وهدل فِي أفنان أمداحها وسجع، وتجرأ على افتحام دسوتها، وولوح بيوتها، وَقدم على هَذِه الْبِلَاد. فأعجب الأدباء بإكثاره، وانقياد نظامه وشاره، وتنوفس فِي إيثاره. ثمَّ استرسل طوع لذاته، وسعى فِي جلب الْمَكْرُوه إِلَى ذَاته، ونمى إِلَيْهِ قيل وَقَالَ، ناله بِهِ اعتقال. ثمَّ تكَرر على هَذِه الْبِلَاد، وَقد تبدلت تِلْكَ الدولة وخمدت تِلْكَ الصولة، فَتلقى بإقبال، وهبت لَهُ ريح اهتبال، ثمَّ حركه الشوق إِلَى بَلَده، فَبلغ نَوَاه إِلَى أمده، وَقد أثبت من شعره مَا يدل على استرسال لِسَانه، واقتداره على الْكَلَام من جَمِيع جهاته.

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله المكودي من أهل فاس

شَاعِر لَا يتعاطى ميدانه، ومرعى بَيَان رق غضاه وأينع سعدانه، يَدْعُو الْكَلَام فيهطع لداعيه، وَيسْعَى فِي اجتلاب الْمعَانِي فتنجح مساعيه، غير أَنه أفرط فِي الانهماك، وَهُوَ إِلَى بطن السَّمَكَة من أوج السماك. قدم على هَذِه الْبِلَاد مفلتا من رهق تلمسان حِين الْحصار، صفر الْيَمين واليسار من الْيَسَار، فل هوى أنحى على طريفه وتلاده، وَأخرجه من بِلَاده. وَلما جد بِهِ الْبَين وَحل هَذِه الحضرة بِحَال تقتحمها الْعين، وَالسيف بهزته لَا يحسن بزته، دعوناه إِلَى مجْلِس أَعَارَهُ الْبَدْر هَالة، وخلع عَلَيْهِ الأهيل غلالة، وَروض تفتح كمامه، وهما عَلَيْهِ غمامة، وكأس أنس تَدور فتتلقى نجومها البدور. وَلما ذهبت المؤانسة بخجله، وتذاكر هَوَاهُ وَيَوْم نَوَاه، حَتَّى خفنا حُلُول أَجله، جبلنا للمذاكرة زمامه، واستسقينا مِنْهَا أغمامه، فأمتع وأحسب، وَنظر وَنسب، وَتكلم فِي المسايل، وحاضر بِطرف الأبيات وعيون الرسايل، حَتَّى نشر الصَّباح رايته، وأطلع النَّهَار رايته.

<<  <  ج: ص:  >  >>