فَوكل بلحظنا عينه، وَقسم المرحلة بَيْننَا وَبَينه، وأنزلنا مرحلة مهْدي بن مُوسَى، وَقد امتدت إِلَيْهَا أنامل البوسي، فانتبذنا عَن جوارها، وأصحرنا عَن قورة دوارها، وَلم يجد صاحبنا فِيهَا مرغبا لجوده الَّذِي بذله، وَلَا قبولا لقراه الَّذِي عجله، واجتنبناه اجتنابا أخجله، وبتنا فِي وقاية ضفى جناحها، إِلَى، إِلَى أَن اشتعل فِي نجمه اللَّيْل صباحها، فركضنا تَحت رواق ضباب سَاتِر، ورذاذة متناثر، لم تزل الشَّمْس ترشقه، والرياح تستكشفه، حَتَّى تقشع، وَبَان الْأَهْل من البلقع، فتعرفنا فِي بعض طريقنا، أَن أَبَا مثوانا، وَحَام قرانا، يجمع بَيْننَا وَبَينه الطَّرِيق، ويلتقي الْفَرِيق بالفريق، لمجمع بَين الْعَرَب مَعْقُود، وَرَأى مشهود، فَقُلْنَا تَعْجِيل اجْتِمَاع، وحظ إبصار بعد حَظّ إسماع، ومزيد استكثار بِأبي كثير واستمتاع، وعَلى بريد تراءت الْخَيل تسل الأباطح بأعرافها وَتَأْخُذ الإجراء بأطرافها، وخالفت بَيْننَا بنيات الطَّرِيق باشتباهها. فنزلنا بِبَعْض الْجِهَات على مياهها، وخاطبته بِمَا نَصه:
(مبارك مَا قدمت سُفْيَان رَغْبَة ... وَلَا خوف تَقْصِير وَلَا سوء سيرة)
(وَمَا نظرة مني إِلَيْك أعدهَا ... سوى منَّة لله فِي ... كَثِيرَة)
(وَإِن كَانَ مَا لاقيت قبلك الجما ... فَأَنت على التَّحْقِيق شمس منيرة)
(وَرب صَلَاة قدم النَّفْل قبلهَا ... وتشرب من قبل الثَّرِيد حريرة)
ثمَّ كَانَ النُّزُول بالزاوية قبر زِمَام وَأبي ذمام، ورعى اهتمام دشار وَجَدْنَاهُ، وَالْحَمْد لله محتويا على صِحَة، محجوبا عَن خطوب حواليه ملحة، رحب بِنَا أَهله، واسهل إِلَيْنَا رحبه وسهله، واقتدى فِينَا بِمذهب الشَّيْخ، فتاه وكهله، وَلما اصبح بكرنا محلته الآهلة، وَذكرنَا، وَالشَّيْء يذكر بضده بأَهْله، ونظرنا إِلَى خيام وحلل، وجديد وطلل، ومبارك ومعاطن، ومسكن يعرف بأصالة قاطن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute