فطنته المشكلات، وَلَا تجاذبه الشَّهَوَات، وَلَا تطرق كَمَاله الهفوات، حَان على الرّعية، دَفعته لشروط السياسة المرعية، قد أفرغ فِي قوالب الْكَمَال جوهره، وتطابق مخبره ومظهره، وتفتق عَن كَمَال العفاف، وَحسن الْأَوْصَاف زهره، فَاتخذ الْملك صنيعا تفض لَهُ الْأَطْرَاف، واستقدم الْأَشْرَاف، واستدعى قومه للْجِهَاد، وَطَوَائِف النساك والزهاد، واحتفل الْوَلِيمَة، وأفاض النعم العميمة، واستحضر النمر، وَقد تحلى بحلية متماسك، وبذل فَرْوَة الْوَزير بِعُرْوَة الناسك، فأعلن فِي الْمُجْتَمع بِرِضَاهُ عَن سيرته، واعترف بنصح جيبه وَفضل سَرِيرَته وأعلن بتسويغ أوبته، وَقرب القربان بَين يَدي تَوْبَته، وحفت بِهِ أَرْبَاب الدّيانَة ونساكها، وقومة الشَّرِيعَة الَّذين فِي أَيْديهم ملاكها، فَرَفَعُوهُ على رُءُوسهم وأكتادهم حَذْو معتادهم، وجهروا حوله بصحفهم المحفوظة، وأدعيتهم الملفوظة ونسكهم المجدودة المحظوظة، حَتَّى أَتَوا بِهِ هيكل الْعِبَادَة، وَمحل أصل النّسك والزهادة، وخدمة الْكَوَاكِب السَّادة، والمتشوقين إِلَى السَّعَادَة، والمنسلخين عَن كدرات سوء الْعَادة، وقصده وَلَده، يستفتح بدعاته الْعَمَل، ويستدلى بوصاياه الأمل. فَلَمَّا فرغ النمر من اسْتِقْبَال محرابه، وَقد تجرد من العلائق تجرد السَّيْف من قرَابه، جِيءَ الْوَلَد لَدَيْهِ، ثمَّ سجد بَين يَدَيْهِ، وَقَالَ بعد مَا أطرق، وطرفه من الرقة اغرورق، أَيهَا الْمولى الَّذِي قرنت بِحَق الْبَارِي حُقُوقه، فَمَا فِي المنعمين من يفوقه، أوضحت لعِلَّة إيجادي مذهبا، وَكنت لنَفْسي الْجِزْيَة باتصال الْعقل الْكُلِّي سَببا، ثمَّ [تغلبت وكفيت] وَعند تقاصر الطباع وفيت، ثمَّ داويت من مرض الْجَهْل وشفيت وحملت على أفضل الْعَادة، وأظفرت الْيَد بِعُرْوَة السَّعَادَة. وَأَنا إِلَى وصاتك الْيَوْم فَقير، ورأيي فِي جنب رَأْيك حقير، ودعاؤك لي ولي ونصير، وللحظك فِي تصرفاتي القاصرة ناقد وبصير، فَأقبل عَلَيْهِ بِوَجْه بيضه الشيب والنسك، وأخلاق تضوع من أنفاسه الْمسك، وَتَبَسم تَبَسم الذَّهَب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute