والاستعجال وضيق المجال، وتهيب الْعَمَل مطيل الزَّمَان، منب عَن ضيق الْجنان، وَلَا تركن فِي الِاسْتِخْدَام إِلَى شَفَاعَة غير نفاعة، مَا لم تكن شَفَاعَة الْكِفَايَة وَالْأَمَانَة وَالرِّعَايَة، وَاعْلَم بِأَن من ظهر حسن صبره، على انتظام أمره، حسن صبره على شدائده فِي حوادث الدَّهْر ومكائده، فالصبر قدر مُشْتَرك فِيمَن أَخذ وَترك، وَالنَّفس لَا تنفك من معترك، وَاعْلَم أَن الرَّاحَة عِنْد الْحَاجة إِلَى الْحَرَكَة، تهدى التَّعَب الضَّرُورِيّ لمن أَخذه فِيهَا وَتَركه، وَلَا تغفلن شَيْئا تقلدته، بعد مَا حسبته من وظائفك وعددته، فيظن بك من الْخُرُوج عَن طبعك الَّذِي جبلت عَلَيْهِ، بِمِقْدَار مَا خرج إِلَيْهِ، وَلَا تحتجب عَن النَّاس، يفشو بغضك، ويضعف من السياسة فرصك، وتكتمك النَّصِيحَة سماؤك وأرضك، وَللَّه در القايل:
(كم من فَتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الْأَحْرَار فِي ذمَّته)
(قد كثر الْحَاجِب أعداءه ... وسلط الذَّم على نعْمَته)
وَلَا يعجبنك مَا يظنّ من مساويك، ولتكن معرفتك بِعَيْب نَفسك أوثق عنْدك من مدح أَبنَاء جنسك، وانقض عَن الْعَامَّة، وَمن يلابسها، وَامْتنع عَن التكبر بِمن يجانسها، فَفِي طباعها إهانة الملتبس بإشياعها، وتنقص من اتَّصل برعاعها. وَاعْلَم بِأَن إحسانك للْحرّ يحركه على المكافآت الْمُخْتَلفَة، وإحسانك إِلَى الوغد يحملهُ على معاودة الْمَسْأَلَة، وضع إحسانك وَلِسَانك حَيْثُ وضعهما الرَّأْي الصَّحِيح، وَالِاخْتِيَار الصَّرِيح. هَذِه أرشدك الله نقطة من يم، وقافة من جم، وحصاة من نثير، وَقَلِيل من كثير، والنبيل من قَاس الشَّيْء بنظيره، وَاسْتدلَّ على الْكثير بيسيره، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.
الرُّكْن الثَّانِي: فِيمَا يستشعره الْوَزير مَعَ الْملك، ليأمن عَادِية الْأَمر المرتبك. وَإِذا خدمت ملكا زَاد رَأْيك على رَأْيه، وَفضل سعيك فِي التَّدْبِير حسن سَعْيه، فإره الِاسْتِعَانَة بِمد يدك، واقصر من إشراف جيدك، واظهر التَّعَجُّب مِمَّا فضل عَلَيْك بِهِ، وسر من الحزم على مذْهبه، وَلَا تتبجح بتجاوز مَا لأهل طبقتك،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute