٢ اختلف العلماء في إمكان خلو زمن من الأزمان عن التشريع فذهب قوم إلى أنه لا يخلو زمان عن التشريع مستدلين بأن الله تعالى أول ما خلق آدم قال لم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ... } البقرة (٣٥) فأمرهما ونهاهما عقب خلقهما، فكذلك كل زمان واستدلوا أيضا بنحو قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} القيامة (٣٦) . ومرادهم بهذا الرأي أنه لم يخل زمن من الأزمان عن وجود شريعة وحكم لله تعالى فإن شريعة آدم مثلا باقية إلى شريعة نوح، وهكذا فكل شريعة تبقى أي يبقى الأمر بالعمل بها إلى ورود شريعة تنسخها سواء كان ذلك في حق الجميع، أو في حق من أسرل إليهم الرسول. وأما من قال بجواز خلو بعض الأزمان عن التشريع فمراده زمان الفترات التي تقع بين الرسل وتندرس فيها الشريعة بتقصير من الناس فيكون الناس على جهل بالأحكام الشرعية فيها واستدلوا على ذلك بورود النصوص بذلك كما قال الله تعالى: { ... يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ... } المائدة (١٩) . وكذلك من لم تبلغه الدعوة، فظهر أنه لا خلاف على التحقيق فإن التشريع باق في كل زمان ولو في بعض الأفراد مع وجود الفترة بالنسبة لبعض الأمم. ومنع بعض العلماء من فتور شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها خاتمة الشرائع وأجازه في غيرها ونقل الغزالي إجماع العلماء إلا الكعبي على ذلك. انظر: المنحول ص٤٨٤، والتمهيد لأبي الخطاب ٤/٢٧١، والبحر الرائق ١/١٦٠، والقواعد والفوائد الأصولية ص١٠٩، وشرح الكوكب المنير ١/٣٢٣، وتيسير التحرير ٢/١٧٢، وفواتح الرحموت ١/٤٩، وفتح الباري ٧/٣٢٥.