للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن حديث القرآن الكريم عن الحيوان هو حديث الخالق الذي خلق ما في الكون لغاية، وأسند إليه دورًا، وهداه إلى سبيل معيشته وتحصيل رزقه، وأسلوب التفاهم والمعايشة بين أفراده وجماعته.

إنها مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذي لم يجعل في هذا الكون شيئًا مجردًا عن المنفعة أو مجردًا عن مهمة أو خلق عبثًا.

إن تجريد أي شيء من وظائف ومهمات يتنافى مع الحكمة العليا في الخلق.

ونكتفي بإشارات مقتضبة في عالم الحيوان، وقد مرت جملة من الآيات تتحدث عنها عند الحديث عن ربط أمور العقيدة بمصالح العباد في الحياة الدنيا.

ونشير هنا إلى جوانب لم تذكر هناك تتعلق بالحيوان:

{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: ٣٧-٣٩] .

ولقد جاءت هذه الآيات الكريمة في سياق موقف المشركين من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يكذبونه لأنهم لم يجربوا عليه كذبًا قط، ولكن الظالمين كانوا بآيات الله يجحدون فلا يؤمنون بالآيات الكريمة ولا بالدعوة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم ومع ما في ضمن هذا الكلام الذي قالوه من تناقض فكيف لا يجرب عليه كذب طيلة حياته، ثم يكذب أعظم كذبة على خالق السماوات والأرض إلا أنهم قالوها وارتضوها، والعقل المشترك يقبل مثل هذا التناقض ويستسيغه، طلبوه معجزات وخوارق على صحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فجاءت اللفتة إلى هذه الأمم التي تعيش بينهم من غير البشر إنهم لو تدبروا ما حولهم لاكتفوا بما يرون عن طلب الآيات، فإنهم ليسوا وحدهم في هذا الكون، بل حولهم أحياء أخرى كلها ذات أمر منتظم يوحي بالقصد والتدبر والحكمة، يوحي كذلك بوجود الخالق، ووحدة التدبير الذي يأخذ به خلقه كله.

<<  <   >  >>