للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه من دابة تدب على الأرض -وهذا يشمل كل الأحياء من حشرات وهوام وزواحف وفطريات وما من طائر يطير بجناحيه في الهواء- وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة وغير ذلك من الكائنات الطائرات، ما من خلق حي في هذه الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة، ذات خصائص واحدة، وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك. شأنها في هذا شأن أمة الناس ما ترك الله شيئًا من خلق بدون تدبير يشمله، وعلم يحصيه، وفي النهاية تحشر الخلائق إلى ربها فيقضي في أمرها بما يشاء١.

إن هذه الكائنات الحية المبثوثة في جنبات الأرض آية بل آيات في الدلالة على خالقها ورازقها وهاديها إلى سبيل معايشها وإلى وظائفها.

ولكن العقول والقلوب الغافلة لا تنظر نظرة التدبر فيما حولها لتهتدي إلى مبدع هذه المخلوقات ومبدع أنظمة حياتها، بل تريد خارقة مادية كما أرسل الأولون يريدون إنزال كنز من السماء، أو إتيان الله والملائكة قبيلًا، أو تفجير الأنهار خلال ديارهم أو زحزحة الجبال عنهم، أو رقي النبي صلى الله عليه وسلم في السماء لإحضار كتاب من السماء يقرءونه وفيه أسماؤهم آمن يا فلان وآمن يا فلان.

أما القلوب المهتدية بنور الحق الباقية على فطرتها السليمة فإن مجرد لفت نظرها إلى ما حولها من الإبداع والانتظام كفيل لإشراق نور الإيمان فيها وتحريكها إلى الخير والصلاح والفلاح.

"د" ولا يقل اهتمام الآيات الكريمة في مجال الاستلال بالنبات وعالمه وشئونه عن عالم الإنسان والحيوان.

فهناك أيضًا الإبداع، وهناك النظام وأداء الدور الوظيفي في خضم هذه الحياة.

{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ


١ في ظلال القرآن لسيد قطب: ٢/ ١٠٨٠.

<<  <   >  >>