"تبين في الحكمة المتعالية أن لكل موجود من الموجودات العقلية والنفسية والحسية والطبيعية كمالًا مقررًا. وعشقًا ركز في ذاته شوقًا غلى ذلك الكمال وحركة إلى تتميمه، فكل أحد عاشق للوجود طالب كمال الوجود، نافر عن العدم والنقص. وكل ناقص ينفر عن نقصه ويسعى إلى كماله ويتمسك به عند نيله فيكون كل شيء لا محالة عاشقًا لكماله لأنه مرجع الكل وغاية الكل. وحينئذ فجميع الموجودات متوجهة إلى الحق الأول توجهًا غريزيًا ونازعة إليه نزوع افتقار واحتياج.
يقول بعضهم في هذا المعنى: إن مما بنا من النقص الذاتي والضعف الجبلي يقودنا بحكم ناموس التضاد إلى القول بوجود مدبر كامل، فإنه كما أن لكل شيء ضدًا فالنور والظلام، والعدل والظلم، والموت والحياة، والعدم والحدوث، كل ذلك العلم المحدود يقابله العلم غير المحدود، والقدرة الناقصة تقابلها القدرة الكاملة، وبالجملة فنقص الآدمي وعجزه وشوقه لبلوغ أمانيه وسعيه وراء كمالات لا يدري غايتها ونقضه اليوم ما أبرمه بالأمس مما يبرهن على أن في الغيب قدرة قاهرة وكمالًا باهرًا تنتهي إليه الأماني، وتطمئن به القلوب"١.
الدليل الثالث: الأشواق الروحية
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من مادة هذا الكون كما خلق منها الكائنات الحية الأخرى، إلا أن الإنسان امتاز عليها بنفخة الروح التي خص بها من بين سائر المخلوقات وإلى ذلك الإشارة في قوله تعالى: