للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاحتمال الثاني:

أن يكون بعض المخلوقات أوجد بعضها الآخر، وهذا أيضًا مناقض لبدهيات العقل، لأن الكلام السابق الذي بطل به الاحتمال الأول ينطبق على الجزء الذي أسند إليه الخلق، فقبل خلقه كان عدمًا، والعدم لا يوجد شيئًا، فيبطل هذا الاحتمال أيضًا. {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} .

الاحتمال الثالث:

وهو أن يكون غير المخلوقات، قد أوجد المخلوقات، وبالتالي يتصف هذا الخالق بصفات تضاد صفات المخلوقات. فالمخلوقات وجدت بعد أن لم تكن موجودة، أما الخالق فواجب الوجود لذاته. والمخلوقات لها بداية ونهاية، أما الخالق فهو الأول ليس قبله شيء وهو الآخر ليس بعده شيء. والمخلوقات تعتورها الحوادث والحركة والسكون والزيادة والنقص، وتستمد وجودها واستمرارها من غيرها.

أما الخالق فهو المنزه عن الحوادث {الْحَيُّ الْقَيُّوم} ويستمد الكون منه وجوده وحركته ونظامه، ويكون مسخرًا لأمره وتدبيره.

وهذا الاحتمال هو الذين يقبله العقل السليم، والنتيجة التي لا يجد المنطق السديد مناصًا من الرضوخ لها والتسليم بها.

{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٥٥] .

ثانيًا- دليل التمانع ١:

إن المتدبر لأحوال المخلوقات من الذرة إلى المجرة يجد ذاك النظام المطرد الذي يحفظ للكون بقاءه واستمراره وأداءه الدور الوظيفي الذي سخر من أجله.


١ وجه تسمية هذا النوع من الاستدلال بدليل التمانع: أن جانب الدلالة فيه على استحالة تعدد الآلهة، هو فرض أن يتمانع الآلهة، أي يمنع بعضهم بعضًا من تنفيذ مراده.

<<  <   >  >>