للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذا النظام المطرد في الكون يدل على أن الإرادة المتحكمة فيه المتصرفة في شئونه إرادة واحدة لا تقبل التعدد ولو افترض وجود إرادة ثانية تتصرف في شئون الكون لأدى ذلك إلى الاحتمالات التالية:

الاحتمال الأول:

عند تعارض الإرادتين في شأن الخلق أو عدمه، أو وضع نظام محدد على حالة معينة فأي الإرادتين تنفذ؟!

فإما أن تنفذ الإرادتان وهو مستحيل لأنه يؤدي إلى الجمع بين النقيضين وهو محال عقلًا.

الاحتمال الثاني:

أن تتعطل الإرادتان جميعًا فلا تنفذان، وهذا عجز ينزه مقام الألوهية عنه لأن مقتضى كلمة "الإله" التصرف المطلق في شأن المخلوقات الذي لا راد لقضائه الذي يقول للشيء كن فيكون.

الاحتمال الثالث:

أن تنفذ إحدى الإرادتين وتهمل الأخرى، فالإرادة النافذة هي الحق والثانية المعطلة هي الباطل، ويكون صاحبها إلهًا مزيفًا فالنتيجة الفعلية أنه لا بد أن يكون الإله واحدًا فردًا صمدًا ليس له مثيل ولا شبيه ولا ند ولا شريك وإلى هذا النوع من الاستدلال أشارت الآية الكريمة:

{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٠-٢٣] .

يقول الشيخ ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير":

"والفساد: هو اختلال النظام وانتفاء النفع من الأشياء ففساد السماء والأرض هو أن تصيرا غير صالحتين ولا منتسقتي النظام بأن يبطل الانتفاع بما فيهما.

فمن صلاح السماء نظام كواكبها، وانضباط مواقيت طلوعها وغروبها، ونظام النور والظلمة، ومن صلاح الأرض مهدها للسير، وإنباتها الشجر والزرع، واشتمالها

<<  <   >  >>