للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينظر بنور الله إلى ما وراء الأسباب، وأن يدرك أن هذه الأسباب قد وضعها خالق الكون ومدبره، وأن مصير الأشياء بيديه وأنه يقول للشيء كن فيكون.

إن جذوة ايمان هذه لها منطلقات خاصة ولها حساباتها المتفردة وتطلعاتها المستقلة، إنه يترفع عن متع الدنيا وشهواتها، وينظر إليها بعين الازدراء والاحتقار، وتسمو نفسه وروحه إلى الدار الباقية فهو لا يرضى الخنوع والاستسلام لجبروت السلطة مهما كان طغيانها، ولا لضغوط المجتمع وفلسفته مهما بلغ ثقلها، يقوم في وجه الظلم ليعلن كلمة التوحيد وأن لا إله إلا الله الذي خلق السماوات والأرض الذي بيده الأمر وإليه المرجع والمآب، وأن لا حكم إلا لمدبر الكون وواضع سننه وأقواته وخواصه ولا طاعة لمن تنكب شرعه ودستوره في الحياة.

والمؤمن بقيامه هذا في وجه الطغيان يلتزم العقل والحكمة، فيدعو الناس إلى التدبر والتفكر فيما حولهم من الكائنات ليتعرفوا على الخالق المعبود بحق، ويدعو الخصوم إلى مقارعة الحجة بالحجة وإلى التحاكم إلى البرهان وإلى العقل والمنطق {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} .

لقد حقق هؤلاء من جانبهم مقومات تنزل النصر عليهم والاستجابة لدعائهم {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم} والفتوة والقوة الجسدية مطلوبة في الصراع مع الباطل ومقارعة أهله.

والإيمان هو السلاح الماضي الذي يصول به الداعية ويجول، ويلقي به على الباطل فإذا هو زاهق.

إن سنة الله في نصر الدعوات تكمن في كون منطلقات حاملها، سليمة، وأن يكونوا فئة متميزة تسموا إلى أفق الدعوة وتضحي في سبيلها بغض النظر عن العدد والكثرة.

وهذا ما جرى للفتية المؤمنين فقد قابل رب السماوات والأرض صنعهم بفضل منه ورحمة عظيمتين، فربط على قلوبهم فأخرج منها الخوف والحيرة والاضطراب، وملأها شجاعة وسكينة وقوة ويقينًا وانشراحًا وسرورًا وزادهم إيمانًا على إيمانهم

<<  <   >  >>