للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورضى وتسليمًا بقضاء الله وقدره {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} .

وإذا توافرت هذه المقومات في الإنسان: الفتوة والإيمان ورباطه الجأش ومضاء العزيمة، لا يستقر لهذا الإنسان قرار بل لا بد من مصارعة الباطل، والوقوف في وجهه، وهذا ما كان من أمر الفتية {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} وفي خضم هذه المشاعر النبيلة والعواطف المتأججة بنور الإيمان، يهتدون إلى رأي، أن يخرجوا مجتمعين إلى الغار، ليعتزلوا المجتمع الجاهلي ماديًا بعد أن اعتزلوه شعوريًا، وليفكروا بروية في الأسلوب الأنجح لمقارعة الباطل فإن لم يستطيعوا مقارعته وجهًا لوجه، فبإمكانهم أن يضربوا في أرض الله الواسعة ويهاجروا في سبيل الله {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: ١٠٠] .

إذ العزلة الشعورية واجبة دائمًا فلا يجوز مطلقًا موادة من حاد الله ورسوله مهما كانت درجة قرابته ومكانته. ولا يجوز مهادنة الجاهلية وأهلها سواء كانت الغلبة لهم أو لنا.

أما العزلة المادية الجسدية فإن لها شروطًا ولعل من أهمها كما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا يجد المرء على الحق أعوانًا، وأن يرى شحًا مطاعًا وهوى متبعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه١، وأن لا تكون للمسلمين جماعة، عندئذ جازت العزلة الجسدية والانصراف إلى خويصة النفس وترك أمر العامة.

روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" ٢.


١ من حديث رواه الترمذي في كتاب التفسير ٤/ ٣٢٣، وقال عنه: هذا حديث حسن غريب.
٢ انظر صحيح البخاري كتاب الإيمان ١/ ١٠.

<<  <   >  >>