وبينما كان الفتية في طريقهم إلى الكهف وهم منهمكون في ما هم عليه من حال وما سيكون عليه العمل والمآل، كانت عناية الله وإرادته تهيئ لهم شيئًا أعظم من ذلك لتكفيهم مؤنة الجهد والمشقة، فما أن وصلوا إلى الكهف حتى ضرب على آذانهم فيه سنين عددًا، وهيأت لهم مكان إقامة تتوافر فيه الشروط الصحية الملائمة من شمس وتهوية وبعد عن القتم، وتوقفت عقارب الزمن بالنسبة لهم داخل كهفهم، إلا أنها بقيت دائرة خارجه، واستمرت عجلة الحياة على مشيئة الله، وكان انتصار الإيمان ودخول الناس في الإسلام، وتغيرت الأحوال، وحل الأمن والأمان مكان الظلم والطغيان، فأذن الله عز وجل بانبعاثهم، لكي يظهر آثار إكرامه للفتية، وليقيم في نفس الوقت الحجة على من زعم أن البعث يوم القيامة بالأرواح لا بالأبدان، فأخرج الله سبحانه وتعالى هؤلاء الفتية وبعثهم من رقادهم، وأعثر عليهم ليكونوا أنموذجًا محسوسًا لقدرة الخالق على الإحياء بعد الموت، فكما حفظ على هؤلاء أجسادهم من البلى وأعاد إليها الروح بعد اندثار الأجيال المتعاقبة، فإنه قادر على أن يجمع شتات الأبدان ورميمها، ويعيد إليها الروح يوم الحساب.