للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي يعايشونها، من دخول الناس في دين الله، وعدم ارتداد أحد منهم، ولم يستطيعوا حصر الدعوة بين جبال مكة فضلًا عن خنقها والقضاء عليها١ عند ذلك تراودهم المساومات وتخطر لهم العروض.

وأمثال هؤلاء تسيرهم مصالحهم وأهواؤهم، فما أن ينظروا في موقف من المواقف أن مصالحهم قد تعرضت لخطر وشيك حتى يقلبوا ظهر المجن ويتحولوا إلى الجانب الآخر.

ودعوة الله لا يصلح لها إلا من عاش بها ولها، ولم يكن له مطمع في شيء سوى رضوان الله سبحانه وتعالى والفوز بجنات عرضها السماوات والأرض، وسوى اتقاء غضب الله الجبار المنتقم وعذابه الشديد.

لا يصلح لدعوة الله إلا من وضع نصب عينيه العطاء والبذل من غير حدود ولو جاء ذلك على ماله وروحه التي بين جنبيه من غير أن يتوقع عوضًا دنيويًا من أحد.


= على صاحب الدعوة وقد فعلت قريش ذلك بعرض المال والسيادة والنساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتصلوا بعمه أبي طالب لمنع ابن أخيه من الاستمرار في دعوته فعندما يئسوا من ذلك جاءت المرحلة الثانية وهي:
ب- مرحلة المساومة على المتاركة والمداهنة في التعامل.
بأن يكف كل فريق عن التعرض لمعتقدات الفريق الآخر ومصالحه فإن استمرت دعوة الحق من غير تقديم تنازلات، ومن غير مهاودة أو مهانة مع الجاهلية، تأتي المرحلة الثالثة وهي:
ج- مرحلة المساومة على الشروط: بأن يبقى لأصحاب الجاه والمكانة الاجتماعية أو الثروة المادية مزايا خاصة على غيرهم.
وهذه المرحلة الثالثة هي التي تتحدث عنها سورة الكهف {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} .
وتتحدث عنها آيات الأنعام {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٥٢] .
١ ترتيب سورة الكهف في النزول الثامنة والستون، كما ذكره السيوطي في الإتقان: ١/ ٢٥.

<<  <   >  >>