للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذا كان الأمر الجازم الصارم -لأن الموقف يقتضي ذلك، ولأنها المرحلة التأسيسية لدعوة الحق- {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .

وفي ميزان الله أن الأمور بخواتيمها وعواقبها، وعاقبة هؤلاء الكفار الظالمين الطغاة إلى نار أحاط بهم سرادقها١، فأي خير يرجى من وجودهم في الصفوف.

- وعاقبة أصحاب جبب الصوف من الفئة المؤمنة {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} ، إنه الثواب والعوض عن القيود والأكبال التي كبلوا بها، وعن جبب الصوف ذات الرائحة الكريهة وعن المجالس المغطاة بالرمل والحصى والحجارة التي كانوا يجتمعون فيها لكي يدعوا ربهم بالغداة والعشي٢.


١ في ذكر ألوان العذاب للظالمين الغافلين الذين اتبعوا أهواءهم نوع من المقابلة لما كانوا عليه في حياتهم الدنيا:
أ- فالنار المعدة الحاضرة لا تحتاج إلى إيقاد وإعداد مقابل مجالس البطر والرقاه التي كانت تعد لهم.
ب- والنار ذات سرادق يحيط بالظالمين فلا سبيل إلى الهرب والنجاة، مقابل السرادقات التي كانت تمنع مشاركة غيرهم معهم ليصفو لهم الجو.
ج- إذا استغاثوا يغاثون بماء كدردي الزيت المغلي تتساقط أبشار وجوههم منه عندما يرفعونه إلى أفواههم مقابل الشراب والكئوس المترعة من الخمر المعتقة التي كانت يعلو عليها الزيد ويفوح منها العطر.
د- بئس المستقر والمنزل وبئس المرافق وبئس الطعام والشراب مقابل ما كانوا يظنونه نهاية السعادة ويتوقعون دوامها وخلودها.
٢ ذكر من أوصاف النعيم ما يتعلق بالأشخاص لأنهم محل التكريم والعناية، وذكر جريان الأنهار من تحتهم لأنهم محور الحديث، وليس المراد وصف الجنة بكثرة الأنهار، بينما في مواطن آخر يذكر تجري الأنهار من تحتها، أي تحت الجنات.

<<  <   >  >>