للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما أضفى الجمال على الجنتين، وأغلى من قيمتهما تفجر النهر خلال الأشجار والزرع١.

وبالإضافة إلى هذه الممتلكات والعقارات الثابتة، فقد كان لصاحب الجنتين من المال المنقول ومن النقدين ما كان يستثمره في التجارة والمجالات الأخرى، {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} ٢، بحيث استكمل الرجل الأسباب الظاهرة للتمكن من الثروة والقبض عليها بأيد قوية، فلئن فاتته فرصة في التجارة فإن الزرع والأعناب ستعوضه، ولئن أصابته آفة زراعية فإن المال المستثمر سيغطي النقص لديه.

كل ذلك ساقه الله سبحانه وتعالى له سوقًا من غير جهد وخبرة من الرجل بدليل إسناد الضمائر إلى لفظ الجلالة "جعلنا، حففناهما، جعلنا بينهما زرعًا، وفجرنا".

وحصول هذه النعم الدنيوية العظيمة له، وتسخير هذا الثراء وهذه الأموال لمصالحه، وتنعمه بها، يستدعي شكر مسدي هذا النعم، وتسخيرها في طاعته واتفاقها في سد خلة المحتاجين لتكون وسيلة إلى القربى من المولى عز وجل. هذا هو المفروض وهو المتوقع من العبد تجاه ما ساقه إليه سيده ومولاه.

إلا أن النفس البشرية إذا تركت على هواها، وحجب عنها نور الإيمان، ونظرت إلى ما بين يديها من الأسباب المادية، أخذها الغرور والبطر، وظنت أنها لم تؤت هذا المال وهذه المكانة والوجاهة إلا لمزايا ذاتية فيها، وهذا الصنف من


١ ذكر تفجير النهر خلال الجنتين متأخرًا عن ذكر إيتاء الجنتين الأكل، إشارة إلى أن خصوبة التربة ورطوبة الجو كانت كافية لإيتاء الجنتين النتاج، ووجود النهر عندئذ رصيد احتياطي عند تقلبات الأنواء، كما أن وجود النهر يزيد المنظر جمالًا.
٢ قال الراغب: والثمر: قيل هو الثمار، وقيل جمعه، ويكنى به عن المال المستفاد، وعلى ذلك حمل ابن عباس قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} . ا. هـ. المفردات: ١٠٩.
وقرئت "ثُمُر" بضم الثاء والميم: وهو المال الكثير المختلف من النقدين والأنعام والجنات والزروع. ا. هـ. التحرير والتنوير: ١٥/ ٣١٨ وهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي انظر: كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ٣٩٠ بتحقيق شوقي ضيف.

<<  <   >  >>