للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" ١. أمثال هؤلاء عرفوا قيمة الأعراض الدنيوية فلم تلههم عن طاعة الله وعبادته بل جعلوها وسائل تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى.

ثم يلتفت صاحبه إلى الجنة التي كانت سبب غروره، وبطره، وتكبره على عباد الله وكسر قلوبهم، فعسى الله أن يرسل عليها إعصارًا فيه نار فتحرقها وتأتي على الأخضر واليابس فيها فتصبح خرابًا تزلق فيه الأقدام، {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} .

وأحد السببين كاف للقضاء عليها، فإذا اجتمع السببان فاتت المنفعة منها تمامًا.

وكانت الاستجابة لدعوة العبد الصالح فورية فلم يكد ينتهي من توجهه إلى ربه ويدعو بتفويت ما كان السبب في أشر صاحبه٢، حتى كان الدمار والخراب يحل بالجنتين، بل تعداهما إلى الأموال الأخرى {وَأُحِيطَ بِثَمَرِه} .

فصار يتجول في أرجاء الجنتين وهو {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} .

إنها ساعة الحسرة والندم بعد فوات الأوان. لقد ذهب كل شيء في طرفة عين، أين المال الذي كان يملأ نفسه كبرًا وعجبًا وأين الجنان التي كانت تملأ نفسه نشوة وبطرًا، بل أين الرجال والنفر الذين كان يهيئهم للملمات والشدائد، لم يقدم أحدهم له عونًا ونصرًا، لم يستطع أحدهم أن يدفع عنه الكارثة الماحقة، وأنى لمخلوق أن يقف أمام قدر الله سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء كن فيكون. أما كان يسع هذا الإنسان الضعيف أن يلزم حدوده، فيستمتع بما وهبه الله عز وجل ويحمد الواهب على ما وهب ويشكره على ما سخر له فيكون في منأى من غضب الجبار وانتقامه، ألا يعلم الإنسان أن لله جنود السماوات والأرض، وأنه


١ انظر: صحيح مسلم كتاب المساجد: ٢/ ٩٧.
٢ لم يرد للنفر ذكر، فلعل الصاحب الصالح لم يدع على الرجال والأتباع والذرية فلعله يخرج من بينهم من يوحد الله سبحانه وتعالى، وهو اللائق بحال الكمل من الصالحين. كما أن تعلق أهل المتع والأهواء بالمال أكثر فتفويته أشد على نفوسهم من تفويت الأهل والرجال.

<<  <   >  >>