لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن إليه المصير والمآب، وأن بيده الحكم والأمر فإن أقر بذلك فينبغي أن تكون التصرفات والأعمال على ضوء ما يقر ويعترف.
ثم تأتي العبرة المستقاة من الأحداث السابقة، وتساق خلاصة التجربة، وهي القاعدة العامة التي ينبغي أن لا يغفل الإنسان عنها فليتدبر زعماء قريش هذه الحقيقة، وليتدبر الآخرون من أمثال صاحب الجنتين، وليتدبر الناس جميعًا إلى قيام الساعة حقيقة ما هم فيه:
الحياة الدنيا سريعة الزوال، سريعة الانقضاء ما وجودها ولا استمتاعكم بها في سرعة زوالها إلا كسرعة دورة نباتية مما تشاهدونه أمامكم يتكرر كل موسم زراعي.
أمطار تنزل من السماء فتنبت الأرض من الأعشاب والحشائش وأنواع النباتات وخلال أشهر قليلة تزدهر وتزهو فتبلغ أوجها في النضارة والاخضرار في الربيع، فلا تكاد تنقضي أشهر الربيع حتى تصبح هشيمًا يابسًا مصفرًا يتكسر من هبات النسيم فتذروه الرياح في الأرجاء بددًا لا تقوم لها قائمة.
إنها أشهر معدودات. تتكرر فيها حياة النبات على هذه الشاكلة إن الدورة النباتية صورة مصغرة لدورات أخرى تجري، فعلى مستوى الأفراد ولادة فطفولة فشباب ثم كهولة وشيخوخة ثم قبض وانتهاء وهذا ما يشاهده الناس في أنفسهم وعلى مستوى الأجيال والدول والمجتمعات، نقرأ في التاريخ دولًا وأممًا ولدت ثم نمت وتوسعت وانتشرت ثقافاتها ثم أصابها الجمود ثم التقلص ثم الاندثار والفناء.
وقل مثل ذلك على مستوى البشرية والكوكب الذي نعيش عليه، إنها ومضات من تاريخ الكون الطويل، والقدم والبقاء للحي القيوم المقتدر.
إن سنة الله سبحانه وتعالى في الكون أن خلق المخلوقات ووفر لها نظم حياتها ووسائل معايشها، وسخر بعضهم لبعض، ووضع في الكون طاقات وقوى ورسم سبل الهداية إليها.
وأنزل على صفوته من خلقه -الأنبياء والمرسلين- النظام الذي ينبغي السير عليه في هذا الكون.