وجوده إلا أن السنة النبوية بينت لنا أيضًا سبب حمله معهم، وهو أن عودة الحياة إليه علامة وصولهم إلى مجمع البحرين مكان وجود العبد الصالح -وأستبعد ما ذهب إليه بعض المفسرين من أنهم حملوه زادًا للسفر، لأن نص الحديث النبوي جعله أمارة البلوغ واللقاء- والقصة مليئة بالمفاجآت وخوارق العادات، التي تبرز جانب قصور العلم البشري، وإحاطة المشيئة الإلهية بالكون وتصريف شئونه.
فلما جلس موسى عليه السلام وفتاه على الصخرة، وكان المفروض أن الفتى مكلف بالحراسة والخدمة ومراقبة الحوت في المكتل، وإخبار موسى عليه السلام بكل ما يطرأ، إلا أن النسيان الذي لا يعهد في مثل هذه الحالة يطرأ على الفتى يوشع بن نون فينسى عودة الحياة إلى الحوت وخروجه من المكتل وذهابه في البحر، وبقاء السرب في البحر، إن أي أمر عادي في حياة الإنسان يمكن أن يغفل عنه بحكم الإلف والعادة، أما مثل هذه الخوارق فلو حدثت مرة واحدة لبقي القلب والعقل والفكر مشغولًا بها طيلة العمر، فما بالك إذا كانت شئون السفر والحصول على المبتغى مترتبًا على عودة الحياة إلى الحوت.
إنها دروس ربانية، ثم لا يشعران بالتعب والحاجة إلى الراحة والطعام إلا بعد مضي بقية اليوم وليلة كاملة من الحادثة، ولا يخطر الأمر على بال الفتى إلا بمناسبة الرجوع إلى المكتل لإخراج الطعام، والشيء بالشيء يذكر {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} .
وعادا أدراجهما فقد تحققت أمارة اللقاء، لكن الصخور تتشابه أين الصخرة التي أويا إليها، إلا أن العلامة الجديدة للاستدلال كان ذاك النفق الذي تركه الحوت كالطاق في البحر، وتماسك الماء عن الجريان عليه بمشيئة الله تعالى:{فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} .