للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السبب السابق لذا رجح الفخر الرازي أن الذي {عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَاب} هو سليمان عليه السلام نفسه وليس أحد أتباعه المؤمنين به١.

وإني وإن كنت لا أميل إلى ما ذهب إليه الرازي، إلا أن مبدأ كون الرسول أعلم أمته بالشرائع المنزلة عليه مبدأ متفق عليه بين العلماء فقول موسى عليه السلام كان من هذا القبيل، فأخبر عن ظاهر علمه بالمبدأ المقرر.

إلا أن الصلة القلبية للأنبياء بمصدر الوحي والعلوم الربانية تعطي لدائرة المدارك أفقًا أوسع، ودقة أبلغ، فكان العتاب الإلهي، لأن صيغة التعبير جاءت عامة من غير تخصيص ومطلقة من غير تقييد.

أقدم هذه الأسس بين يدي البحث في قصة موسى والخضر عليهما السلام مخافة أن تند بالقلم كلمة أسيء فيها الأدب مع مقام نبي الله موسى عليه السلام، أو يفهم أحد القراء عبارة على خلاف ما أقصد فتورث شبهة في النفس أو استهانة بحق نبي الله، وفي ذلك مزلق وإلحاد في دين الله، {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] .

وأعود إلى سياق فقرة انطلاق موسى عليه السلام للبحث عن العبد الصالح إننا نستشف من افتتاحية الفقرة أن موسى عليه السلام كان قد تلقى أمرًا من ربه للذهاب إلى العبد الصالح والتعلم منه بدليل هذا الجزم والتصميم {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} ، لو لم يكن الأمر واجبًا عليه لكان له في بني إسرائيل ما يشغله، ولما كان له أن يتركهم أحقابًا من الزمان وإذا أدركنا أن الحقب فسر بالدهر، والحقبة الواحدة تبلغ ثمانين عامًا وقيل أكثر، إذا علمنا ذلك وأدركنا مدى العزم والتصميم الذي كان عليه موسى عليه السلام للظفر بالعبد الصالح، فلا يكون ذلك إلا عن تكليف كلف به.

ومرة أخرى نفاجأ بوجود الحوت معهما ولم يحدثنا النص القرآني عن حكمة


١ انظر تفسيره مفاتيح الغيب: ٢٤/ ١٩٧.

<<  <   >  >>