الصالح، وكأنه لا يملك من نفسه إلا الاعتراض والاحتجاج. وخاصة بعد حصول القناعة بنوع هذا العلم، وتقديم النماذج الصالحة، وسواء كثرت هذه النماذج أو قلت فلن تمكن موسى من أخذ زمام هذا العلم والمبادأة بتصرفات شبيهة بتصرفات الرجل الصالح. فما دام الأمر كذلك فليعد إلى مجاله وإلى شغله في بني إسرائيل ليؤدي فيهم رسالة ربه.
ولكن ليس من الأدب انسحاب الطالب وكأنه يرغب عن معلمه، وإنما ليعط المبرر للأستاذ في اتخاذ قرار الفراق، فعلق الفارق على واقعة أخرى يظهر فيها عدم صبر موسى عليه السلام، وتأتي الحادثة غير بعيد، ونجد موسى عليه السلام يسارع إلى الاعتراض علمًا أن ظاهر الأمر لا يقتضي الاعتراض، لأنه لا مفسدة مالية ولا بدنيه، بل هو معروف وإصلاح، وكل ما في الأمر أن ظاهره معروف لأناس لا يستحقونه.
ومع ذلك نجد موسى عليه السلام يسارع إلى الاحتجاج {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} .
وقبل أن أدع العرض الإجمالي لهذه الفقرة أحب أن أناقش أقوال المفسرين في الدوافع التي جعلت موسى عليه السلام يحتج المرة تلو المرة على الرجل الصالح على الرغم من عهده بعدم السؤال والاستفسار ناهيك عن الاعتراض والاحتجاج؟! ولئن كانت الأولى نسيانًا، فما توجيه المرة الثانية والثالثة، ولم يكن هناك نسيان؟ أليس في ذلك ما يؤخذ على موسى عليه السلام ويؤثر على جانب العصمة فيه.