للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: وهذا يدل على أنه عرف ذلك بالوحي، والوحي لا يكون إلا مع النبوة والجواب عن هذا كالجواب عن الدليل الثاني {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} لأن ذلك قد يكون عن طريق الإلهام أو المكاشفة١.

وعلى الرغم من ورود هذه الاحتمالات على هذه الأدلة، والقاعدة تقول: "إذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال" فإني أرجح قول القائلين بنبوته والوحي إليه.

وذلك لأن الإلهام والمكاشفة لا يبنى عليهما حكم شرعي، ولا يجوز للولي العمل بمقتضاهما إذا خالفهما ظاهر الشريعة، لعدم العصمة.

بينما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمعصومون من تسلط الشياطين عليهم أو التدخل فيما يوحى به إليهم أو يلهمونه، فإلهام الأنبياء والنفث في روعهم، وما يرونه أثناء النوم كل ذلك دليل شرعي تبنى عليه الأحكام الشرعية إلى جانب الوحي بواسطة جبريل عليه السلام إليهم، لذا كان إقدام إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده إسماعيل بناء على ما رآه في منامه، حكمًا شرعيًا لازمًا لا مناص من تنفيذه {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢] .

وإقدام الخضر عليه السلام على إتلاف المال وقتل النفس لا بد أن يكون بناء على دليل يقيني لا يتطرق إليه الشك. ولا يكون هذا إلا لنبي من الأنبياء المعصومين من التلبيس والإلقاء والتشويش الذي قال الله سبحانه وتعالى في شأن صون ما يوحي به إليهم {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٦-٢٨] .


١ انظر: تفاصيل الأدلة وما ورد عليها في فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني: ٦/ ٣١٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>