للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوفيقه له وأنه وفق إلى هذا بمحض الرحمة والفضل من رب العزة والكرم. {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .

وكذلك إيمانه المطلق بوعد الله سبحانه وتعالى الذي إذا جاء فلن تستطيع هذه الأسباب الظاهرة الصمود أمامها. وأن هذا السد الذي منع يأجوج ومأجوج من العدوان، سيزول ويكون دكاء، لأن وعد الله قد تم بأن ينتشر فساد يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة وقبل النفخ في الصور لجمع الخلائق {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} جعله دكاء علمًا أن الأسباب الظاهرة تومئ إلى تخليده لأنه جبل من الحديد المطعم بالنحاس، إلا أن وعد الله كفيل بإثارة السبب الخفي الذي يجعل هذا الجبل الحديدي دكاء ليلتحق بأمثاله من الجبال عندما يأتي أمر الله {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: ١٠٥-١٠٧] .

لقد قال الخضر عليه السلام في نهاية جولاته مشيرًا إلى هذا العلم الغيبي الذي آتاه الله سبحانه وتعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ، ويقول الملك الصالح: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .

لقد كانت خبرته وتوفيقه لعمل الخير والصواب وتمكينه في الأرض ليس اعتمادًا على الأسباب الظاهرة وإنما كانت في الحقيقة رحمة من الله العزيز الحكيم العليم الخبير.

لقد جاءت قصة ذي القرنين في خاتمة القصص السابقة لتبرز القيم الصحيحة واقعًا متمثلًا في سيرة أحد عباد الله الصالحين، ولا تكون مظنة خيالات ومثل لا مجال لتطبيقها على هذه الأرض وفي الواقع البشري١. بالإضافة إلى أنها من


١ للقيام بدور الخلافة في الأرض على الوجه الصحيح لا بد للحاكم أن يأخذ بطرفي المعادلة ويوازن بينهما وذلك:
- باتخاذ الأسباب الظاهرة التي تمكن من التصرف حسب سنن الله في هذا الكون لتسخيرها للمصالح المعتبرة.
- والاعتماد على الأسباب الخفية الغيبية "الإيمان بالغيب، الوحي" لإقامة العلاقات=

<<  <   >  >>