لا يقال إن قريشَا كانت تعرف ذلك، لأن ما تدركه قريش يدركه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أحدهم، إذن الذين يعرفون أخبار ذي القرنين هم اليهود الذين زودوا قريشًا بهذه الأسئلة للوقوف على صدق محمد صلى الله عليه وسلم١،
ولو رجعنا إلى كتب اليهود لا نجد في أخبار الملوك والأنبياء ما ينطبق على ما أخبر به القرآن الكريم سوى ما ورد في رؤيا النبي دانيال.
ينقل أبو الكلام آزاد في كتابه:"ويسألونك عن ذي القرنين" من سفر دانيال فيقول: "في السنة الثالثة لجلوس بيلش فر الملك كنت بمدينة سوس هيرا -من أعمال عيلام على شاطئ النهر أولائي- فرأيت الرؤيا للمرة الثانية، رأيت كبشًا واقفًا على شاطئ النهر له قرنان عاليان، وكان الواحد منهما منحرفًا إلى ظهره، ورأيت الكبش ينطح بقرنيه غربًا وشرقًا وجنوبًا لا قبل لحيوان بالوقوف أمامه، فهو يفعل ما يشاء وصار هو كبيرًا جدًا، وبينما أنا أفكر في هذه الظاهرة إذ رأيت تيسًا أقبل من جهة الغرب وغشى وجه الأرض كلها، وكان بارزًا بين عيني التيس قرن عجيب، ثم إن التيس اقترب من الكبش ذي القرنين ونفر منه مغضبًا، ثم عمد إليه فكسر قرنيه، وصرعه وداسه فأصبح الكبش ذو القرنين عاجزًا عن مقاومته، محرومًا من ناصر ينصره عليه" [سفر دانيال ٨/ ١ نقلًا عن "ويسألونك عن ذي القرنين ٨٧"] .
ثم ذكر الكتاب على لسان دانيال أن الملك جبريل ظهر له وشرح له رؤياه قائلًا:"إن الكبش ذا القرنين يمثل اتحاد المملكتين مادا وفارس فيملكهما ملك قوي لا تقدر دولة على مواجهته، أما التيس ذو القرن الواحد الذي رآه بعد الكبش فالمراد منه ملك اليونان، والقرن البارز بين عيني التيس يدل على أول ملك من اليونان"[سفر دانيال ٨/ ١١] .
يقول أبو الكلام آزاد تعليقًا على رؤيا دانيال:
كانت لليهود في رؤيا دانيال بشارة بأن نهاية أسرهم وبدأ نشأتهم الجديدة
١ يقول الألوسي: غرض اليهود من السؤال الامتحان، وذلك يحسن فيما خفي أمره ولم يشتهر، إذ الشهرة لا سيما إذا كانت تامة مظنة العلم. انظر روح المعاني ١٦/ ٢٧.