للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد كشف الغطاء عن البصائر المغطاة المحجوبة بظلمات الكفر والعصيان فلم يبق مجال للتكذيب بالنار واليوم الآخر.

لقد وجدوا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون في تبليغهم.

فهذه جهنم تعرض أمام الكافرين عرضًا، لقد قالوا لرسلهم في الحياة الدنيا {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} فلا نفقه ما تقولون ولا نسمع وعيدكم بل قالوا -استخفافًا واستهزاء - {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَاب} .

إنها من إيحاءات هذا المنظر المعروض في تموج يأجوج ومأجوج خلف السد فالمؤمن لا يترك لحظة ولا حالة ولا منظرًا إلا ويأخذ منه العبرة ويربطه بالنتيجة وبالمصير الأبدي.

ثم يأتي التعقيب العام في الفقرة الثانية على معطيات الجولات والمقاطع في السورة كلها أفحسب أهل القيم الباطلة أن خلقهم ووجودهم في الحياة الدنيا كان عبثًا، أفحسبوا أن القضية لعب ولهو ثم لا رجوع إلى الله سبحانه وتعالى أفحسبوا أن صلاتهم وولاءاتهم لزعاماتهم وقياداتهم ستغني عنهم شيئًا؟! أحسبوا أن الموازين والقيم في الآخرة -إن آمنوا بها- هي نفسها التي كانوا يختلقونها من عند أنفسهم ويتعاملون بها؟!

ويورد السياق كلمة الكفر لتلقي بظلالها الكثيفة في هذا المشهد ليدرك هؤلاء أساس البلاء وسبب الشقاء:

- {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} .

- {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} .

- {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} .

- {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} .

- {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} ١.


١ جاء التصريح بصيغة الكفر خمس مرات، ومرتين ضمنًا فإن دلالة الكفر الستر والتغطية، وقد جاء في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} ذكر الأغطية على الأعين وفيه معنى الكفر والحاجز المانع عن السمع وهو لون من ألوان الغطاء وفيه معنى الكفر.
وهذا التركيز في الخاتمة على الأمر لبيان سبب استحقاقهم هذا المصير البائس ولتنفير المؤمن من هذه الصفة وإيجاد مناعة لديه، وإيجاد حاجز نفسي بينه وبين المتصفين بها، وهذا أسلوب من الأساليب القرآنية المطردة لترسيخ مفاهيم معينة، أو التنفير من صفات مذمومة.

<<  <   >  >>