للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد أكثر هؤلاء الكفرة المنكرون يوم البعث والنشور من الأعمال الدنيوية مالًا، ورجالًا، وجاهًا، حتى انتفخت نفوسهم بها عجبًا وزهوًا وكبرًا وأشرًا وبطرًا، فكان حتفهم في ذلك، فحبطت تلك الأعمال حيث انتفخت فقضت على صاحبها، فهي وأصحابها لا تزن عند الله جناح بعوضة {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القايمة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} " ١.

هؤلاء هم أخسر الناس على الإطلاق، لأنهم كدوا وتعبوا وجمعوا وسعوا سعيًا حثيثًا في الدنيا، فلم يتركوا ميدانًا من ميادين الفخر والمآثر الدنيوية، ولا مجالًا حسبوه يخلد ذكرهم ويرفع شأنهم إلا اقتحموه. وهم يظنون أن من أعطي في الدنيا شيئًا قيمًا أن يُعطى أكثر منه في الآخرة {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} .

لقد اختلت الموازين عندهم، فلم يستجيبوا لنداء الفطرة في نفوسهم ولم يحملوا أنفسهم عناء التفكر في نهاية المطاف في الخلق والكون علمًا أنها مليئة بالبراهين والدلالات على زوالها وفنائها.

بل سخروا برسل الله المبلغين لدعوة ربهم واتخذوهم هزوًا فكلما ذكروهم بأمر الآخرة والحساب والجزاء قالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} .


١ رواه الشيخان، انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير: ٦/ ٢٣٦، وصحيح مسلم كتاب صفات المنافقين: ٨/ ١٢٥.

<<  <   >  >>