للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع كل ذلك فإننا نلحظ وجود مناسبات عدة بين السورتين الكريمتين، ولم يكن اقتران رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما في تسميتهما بـ"الزهراوين أو الغمامتين١ إلا عن حكمة ووجود علائق تشد إحداهما إلى الأخرى ولو أن بعض الباحثين وضع منهجًا محددًا لدراسة السورتين دراسة موضوعية لأماط اللثام عن كثير من أسرار كتاب الله سبحانه وتعالى.

وهكذا نجد أن علم المناسبات بين الآيات بعضها مع بعض وبين السور يبرز لنا جانبًا من إعجاز القرآن الكريم، وأنه كلام الله المنزل وليس من عند البشر.

فمن المعلوم أن القرآن الكريم نزل مفرقًا منجمًا لبضعة وعشرين عامًا حسب الوقائع المختلفة وفي ظروف متباينة، وإجابة لاستفسارات متنوعة، ثم كان الترتيب المحكم الذي لا نجد فيه آية ينبو بها مكانها من السياق القرآني العتيد.

ولا نجد كلمة يتململ بها موضعها في النظم المحكم. ولقد نجد الآية المدنية في السورة المكية أو الآية تتلو الآية والفاصل في نزولهما يبلغ عدة سنوات فأي عقل بشري يستطيع أن يراعي هذه الدقة وهذا الإحكام في النسق والترتيب والملاءمة بحيث يكون ذلك في الذروة من الفصاحة والبلاغة والانسجام.

{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] .

"إن عقلًا بشريًا مهما أوتي من القوة والحفظ والإحكام لا يستطيع أن يذكر موضع فقرة من كلام سابق مضى عليه سنوات طويلة. فيضعها في مكانها بحيث تلتحم مع سابقاتها ولاحقاتها في اللفظ والمعنى والسياق. ولو أن عقلًا أتقن ذلك في حال واحدة فلن يستطيع أن يحكمه في حالات كثيرة وفي سور كثيرة بحيث لا تشذ حالة واحدة عن قاعدة الإحكام المشاهدة في كتاب الله الحكيم"٢.

إن إدراك المناسبات بين مقاطع السورة وافتتاحيتها وخاتمتها وسائر آياتها أمر


١ انظر في تسميتهما: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين: ٢/ ١٩٧.
٢ من مقدمة المحقق لكتاب "تناسق الدرر".

<<  <   >  >>