ولا تدركوا له حاجتكم؛ مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرًّا لكم، أسأل الله أن يعين كلا على كل".
هذه الخطب الثلاثة تدور حول الحكومة الإسلامية وإقرارها بعد الثورة التي انتهت بمقتل عثمان بن عفان، والنزاع بين علي ومعاوية، ونشأة الأحزاب السياسية وعناية معاوية وأعوانة بإقرار الحكومة في البيت الأموي.
١- فأما علي فساخط على العراقيين، يائس من صلاحهم، يرميهم بالجبن والهوان لا تجمعهم كلمة، ولا يغضبون لكرامة، ومع ذلك تراه يبين لهم هذه الصلة التي تربطه بهم. وهذه الخطبة صورة لكثير من آثاره الخطابية التي ألقاها إبان النزاع على الخلافة وهي تدل على شخصية علي، فقد كان شجاعا، قوي البأس، ذكي الفؤاد، واسع العلم، شديد الإيمان، متحرجا في الدين، حدبًا على المسلمين، حزينًا على حقه المسلوب صريحًا في القول، غلبت نزعته الدينية على كياسته السياسية حتى غلب على أمره بعكس معاوية، وكان مثله الأعلى قائمًا على الشجاعة والتحرج في الدين مع دالة على المسلمين لمكانته من الرسول وماضيه في خدمة الإسلام، لم يظفر من العراقيين بشعب يعتمد عليه ويخلص له، فعاش مجاهدًا حزينًا ومات دون تحقيق مآربه.
٢- وأما معاوية، فقد كلم أهل المدينة بلغة المنتصر الشامت، الذي يرميهم بعدم الكفاية لحسن سيرة الحكام فيهم لأنهم تغيروا وفسدت نفوسهم فلا بد من سياسة جديدة تلائم نفسيتهم الجديدة، وهي تقوم على الحيلولة بينهم وبين السياسة العليا ورضاهم بالواقع، وحلمه على سفه الكلام، واعتداده بالسلوك العملي.
فهو شخصية سياسية حليمة، عملية مرنة، تصطنع الأناة، وتبرر الوسائل