ويثبتون الحكمة في أفعال الله، وأنه يفعل لنفع عباده ومصالحهم، فقد أمر الخلق على ألسن رسله بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم، ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله، فأراد هو سبحانه أن يخلق ذلك الفعل، ويجعله فاعلا له: ومنهم من لم يرد أن يخلق فعله، فجهة خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها غير أمره للعبد على وجه بيان ظاهر مصلحة للعبد أو مفسدة، فإذا أمر العبد بالإيمان، كان قد بين له ما ينفعه ويصلحه إذا فعله، ولا يلزمه تعالى إذا أمره أن يعينه، بل قد يكون في خلقه ذلك الفعل وإعانته عليه نوع مفسدة من حيث هو فعل له، فإنه يخلق سبحانه ما يخلق لحكمة. ولا يلزم إذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور إذا فعل أن يكون مصلحة للآمر إذا فعله هو، أو جعل المأمور فاعلا له، بل قد تكون الحكمة تقتضي أن لا يعينه على ذلك فإن الحكمة تتضمن ما في خلقه وأمره من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة وما من ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا معنى من المعاني، إلا وهو شاهد لله بتمام العدل والرحمة، وكمال الحكمة. وما خلق سبحانه الخلق باطلا، ولا فعل شيئا عبثا، بل هو الحكيم في أقواله وأفعاله، يفعل ويخلق ما يشاء لحكمة باهرة، وقد وقع الإجماع عند أهل السنة والجماعة على اشتمال أفعال الله على الحكم والمصالح، كما تقدم.