استثقالًا قال: فأخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو نازل بالجرف فقال: يا نبي الله, زعم المنافقون أنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال:"كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي, فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك, أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" أو يكون المعنى: إلا وأنت خليفتي في أهلي في هذه القضية على تقدير عموم استخلافه في المدينة إن صح ذلك ويكون ذلك لمعنى اقتضاه في تلك المرة علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجهله غيره, يدل عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- استخلف غيره في قضايا كثيرة ومرات عديدة أو يكون المعنى الذي يقتضيه حالك وأمرك ألا أذهب في جهة إلا وأنت خليفتي؛ لأنك مني بمنزلة هارون من موسى لمكان قربك مني وأخذك عني, لكن قد يكون شخوصك معي في وقت أنفع لي من استخلافك, أو يكون الحال يقتضي أن المصلحة في استخلاف غيرك فيتخلف حكم الاستخلاف عن مقتضيه لمعارض أقوى منه يقتضي خلافه, وليس في شيء من ذلك كله ما يدل على أنه الخليفة من بعد موته -صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديث الثاني فقوله فيه, فتعين أحد معنيين إما الناصر وإما الولي بمعنى المتولي, فيقول بموجبه لا بالتقدير الذي قدروه والمعنى الذي نزلوه عليه بل يكون التقدير على معنى الناصر: من كنت ناصره فعلي ناصره لأن عليا جلا من الكروب في الحروب ما لم يجلها غيره وفتح الله على يديه في زمنه -صلى الله عليه وسلم- ما لم يفتح على يد غيره, وشهرة ذلك تغني عن الاستدلال عليه والتطويل فيه.
وإذا كان بهذه المثابة كان ناصرًا من كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ناصره, لما أشاد الله تعالى به من دعائم الإسلام المثبتة له بها منه في عنق الخاص والعام بنصرة المسلمين وإشادته منار الدين, أو يكون المعنى: من كنت ناصره فعلي نصره, وإن كان ذلك واجبًا على كل أحد من الصحابة بل من الأمة, لكن أثبت بذلك لعلي نوع اختصاص؛ لأنه أقربهم إليه وأولاهم بالانتصار