عقبة عن علي أنه إنما نقم عليهم أمر المشورة كما تقدم في آخر بيعة العامة؛ لأن عليا -رضي الله عنه- من كبار أهل الحل والعقد ومثله لا يقنع منه بالسكوت, والظاهر من حاله أن يخلفه ابتداء إنما كان لما ذكرناه, وأما كونه نقم عدم مشاورته نفي من هنا شيء, وأما لفظ الاستبداد فيستعمل في العرف على ما يصح فيه الاشتراك فيتجه فيه ما تقدم ذكره من الاعتراض, وعلى ما لا يصح فيه فيكون بمعنى غلب وحاز الشيء قهرًا عن الغير, والناقم عليه ذلك ناقم أصل الحيازة لتعذر الاشتراك.
وقد دللنا على تعين إرادة الإمامة بالأمر وهي مما لا يقبل الاشتراك فيكون الذي نقم عليهم أصل الحيازة فيكون المراد بالحق حقا في الخلافة على ما قررناه. فإن قيل: لم لا يجوز أن يراد بالأمر الميراث والحق حق الإرث ويكون تقدير الكلام: كنا نظن أن لنا مما خلفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حقا وأنك منعتنا إياه, وأصررت على المنع فلم تصح لذلك خلافتك؛ فلذلك تخلفنا عن البيعة.
ويدل على ذلك جواب أبي بكر بنفي الميراث وحب صلتهم وإلا لما صلح جوابًا, فوجب المصير إلى هذا المعنى صونًا لكلام هذا الفصيح عن الزلل, وهو من أفصح العرب وأعرفهم بما يقول, ومن سئل عن شيء فأجاب عن غيره لم يعد كلامه منتظمًا إلا أن يكون بينهما ارتباط كما إذا قيل: كيف أصبح حال زيد؟ فقال: أصبح حال عمرو جميلًا وحال عمرو إنما يتحمل حال زيد فقد يسوغ ذلك, أما إذا لم يكن كما في هذه الصورة فلا, قلنا: صورة الحال وسياق المقال يشهدان بخلافه وينبوان عنه, فإن اعتذاره إنما كان من تخلفه عن البيعة فقال: لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك ولا نفاسة لخير ساقه الله إليك, ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر الحديث, ولم يجر في حديثه ذكر الميراث, والمتبادر إلى الفهم عند سماع هذا اللفظ ليس إلا الخلافة, وجواب أبي بكر محمول على