"شرح" خصيف القعدة أي: مستحكمها، واستخصف الشيء: استحكم, الخصيف: الرجل المحكم العقل وكنى بذلك عمر عن الاشتداد في دين الله وقوة الإيمان، والغرة: الاعتماد. وكتب إليه أيضًا: أما بعد, فإني كتبت إليك كتابًا لم آلك ونفسي فيه خيرًا: الزم خمس خلال يسلم لك دينك وتحظ بأفضل حظك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبينات العدول والأيمان القاطعة, ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه ويجري قلبه, وتعاهد الغريب فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته وانصرف إلى أهله، وإنما الذي أبطل حقه من لم يرفع به رأسًا، واحرص على الصلح ما لم يتبين لك القضاء، والسلام عليك. خرجه السمرقندي.
وعن زيد الأيامي قال: كتب أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب: أما بعد, فإنا عهدناك وشأن نفسك لك مهم، فأصبحت اليوم وقد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع والصديق والعدو، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر؟ وإنا نحذرك ما حذرت الأمم قبلك، ونحذرك يومًا تعنو فيه الوجوه وتوجل فيه القلوب وتنقطع فيه الحجج لغرة ملك قاهر، هم له داخرون وينتظرون قضاءه ويخشون عقابه، وإنه كان يذكر لنا أنه سيأتي الناس زمان يكون إخوان العلانية فيه أعداء السريرة.
وإنا نعوذ بالله -عز وجل- أن ينزل كتابنا منك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، وإنما كتبنا به إليك والسلام. فكتب إليهما عمر: أما بعد, فإنه أتاني كتابكما, فكتبتما إلي أنكما عهدتماني وشأن نفسي إلي مهم وما يدريكما، وكتبتما إلي أني وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يدي الشريف والوضيع والعدو والصديق ولكل حصته من العدل، وإنه لا حول ولا قوة عند عمر إلا بالله -عز وجل- وكتبتما تحذرانني ما حذرت الأمم من قبل، وإنما هو اختلاف الليل والنهار وآجال