وأما طعنهم على عثمان أنه وهب خمس أفريقية مروان بن الحكم فهو غلط منهم؛ وإنما المشهور في القضية أن عثمان كان جهز ابن أبي السرح أميرًا على آلاف من الجند وحضر القتال بأفريقية، فلما غنم المسلمون أخرج ابن أبي السرح الخمس من الذهب وهو خمسمائة ألف دينار فأنفذها إلى عثمان، وبقي من الخمس أصناف من الأثاث والمواشي مما يشق حمله إلى المدينة فاشتراها مروان منه بمائة ألف درهم نقد أكثرها وبقيت منها بقية، ووصل إلى عثمان مبشرًا بفتح أفريقية، وكانت قلوب المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر أفريقية نكبة؛ فوهب له عثمان ما بقي عليه جزاء ببشارته؛ وللإمام أن يصل المبشرين من بيت المال بما رأى على قدر مراتب البشارة.
وأما ما ذكروا من صلته عبد الله بن خالد بن أسد بثلاثمائة ألف درهم, فإن أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بأنه استقرض له ذلك من بيت المال، وكان يحتسب لبيت المال ذلك من نفسه حتى وفاه.
وأما دعواهم أنه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة يأخذ عشور ما يباع فيه فغير صحيح؛ وإنما جعل إليه سوق المدينة ليراعي أمر المثاقيل والموازين، فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه، فلما رفع ذلك إلى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لأهل المدينة: فإني لم آمره بذلك، ولا عتب على السلطان في جور بعض العمال إذا استدرك بعد علمه.
وقد روي أنه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين، وقال لأهل المدينة: إذا رأيتموه سرق شيئًا فخذوه منه وهذا غاية الإنصاف.
"وأما قصة أبي موسى" فلا يصح شيء منها، فإنه رواه ابن إسحاق عمن حدثه عن أبي موسى؛ ولا يصح الاستدلال برواية المجهول، وكيف