وفي غزوة حنين، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وحنين: اسم موضع بين مكة وبين الطائف وإليه سار صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة لقتال هوازن وثقيف, ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا يقسم غنائم هوازن بحنين، فوقف عليه رجل من الناس، فقال: إن لي عندك موعدا يا رسول الله، فقال: "صدقت, فاحتكم ما شئت " أي: لك الحكم في طلب ما تريد، فقال: أحتكم ثمانين ضائنة -أي: نعجة، فالذكر ضائن- وراعيها -أي: معها الخادم الذي يرعاها- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هي لك"، ولقد احتكمت يسيرًا، ولصاحبة موسى -عليه السلام- وهي العجوز من عجائز مصر، التي دلته على عظام يوسف عليه السلام، أي: جسده الشريف، وكان في صندوق من رخام في قعر النيل تتلاطم عليه الأمواج، أحزم منك، أي: أكثر حزمًا منك، وأجزل حكما حين حكمها موسى عليه السلام, فإنه لما سأل عن يوسف -عليه السلام- لم يجد عند أحد علمًا لتقادم العصر ومرور الأزمنة، وأجمع رأيهم على عجوز كانت من بقايا القبط وقد أتت عليها سنون، فطلبها سيدنا موسى -عليه السلام- وسألها، فقالت: عندي علم من ذلك، فقال: أخبرينا ولك ما تريدين، فقالت: حكمي أن تردني شابة كأحسن ما كنت عليه من الشباب, وأدخل معك الجنة. فأخبرته عن محله، فدعا الله تعالى أن يردها شابة فارتدت في الحال شابة ورجع إليها حسنها وجمالها, ودعا الله تعالى أن يجعلها معه في الجنة فاستجيب له، ودلته على محله في قعر النيل، فأتى إليه وأشار بعصاه فانفرق البحر وظهر الصندوق, فحمله موسى عليه السلام إلى بيت المقدس، فدفنه عند آبائه الكرام -عليهم السلام- فكان الناس يصفون ما احتكم به حتى جعل مثلا يقولون: هو أشح من صاحب الثمانين والراعي يعنون به ذلك الرجل الدنيء الهمة". قال العراقي في تخريج هذا الحديث: رواه ابن حبان، والحاكم في المستدرك؛ من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- مع اختلاف.