للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عُروضها تغيير، والتغير يأنس بالتغيير– ثمَّ قُلبت الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين فصار جَيايا.

وإنَّما لزم قلب الهمزة ياء لمَّا وقعت بين ألفين؛ لأنَّ مخرج الهمزة يقرب من مخرج الألف، فكان كالتقاء ثلاث ألفات. وكذلك تَفعل بكلِّ ما تَعرِضُ فيه الهمزة من الجمع. فأمَّا قوله١:

سَماءُ الإلهِ فَوقَ سَبعِ سَمائيا.

فإنه ردَّه إلى أصله، لمَّا اضطرَّ، كما تُرَدُّ جميع الأشياء إلى أصلها عند الضرورة.

ومن ذلك "أشياءُ"٢. فمذهب سيبويه والخليل٣ أنَّها "لَفْعاءُ" مقلوبة من "فَعْلاء"، والأصل "شَيْئاء" من لفظ شيء، وهو اسم جمع كقَصْباء٤ وطَرْفاء٥ ومذهب الكسائيِّ أنها "أَفعال" جمع شيء. ومذهب الفرَّاء والأخفش أنها "أَفعِلاء"٦، والأصل "أَشيِئاء"، فحذفت الهمزة التي هي لام وانفتحت الياء لأجل الألف.

ويخالف الفرَّاءُ أبا الحسن في "شيء" الذي هو مفرد أشياء. فمذهب أبي الحسن أنه "فَعْل" كبَيت، ومذهب الفرَّاء أنه مخفَّف من "فَيْعِل"، والأصل "شَيِّئٌ" فخُفِّف كما خفَّف هَيِّنٌ ومَيِّتٌ فقالوا: هَيْنٌ ومَيْتٌ.

فالذي يُردُّ به على الكسائيِّ أنه لو كان "أَفعالًا" لكان مصروفًا، كأبيات وأجمال وأعباءٍ، إذ لا موجب لمنع الصرف. فإنه احتَجَّ بأنهم لمَّا جمعوه بالألف والتاء، فقالوا: أشياوات، أَشبَه "فَعْلاءَ" فمُنع الصرف. فالجواب أنَّ "أَفعالًا" لا يُجمع بالألف والتاء. فإِذ قد٧ جَمعوا أشياء بالألف والتاء فذلك دليل على ما ادَّعى الخليل من أنها "فَعلاء". وبتقدير أنها "أفعال" جُمعت بالألف والتاء فإنَّ هذا القَدر لا يُوجب منع الصرف٨؛ لأنَّ ذلك لم يستقرَّ في العلل المانعة للصرف.

وأمَّا الفرَّاء والأخفش فالذي يَدلُّ على فساد مذهبيهما أنَّ حذف اللام لم يجئ منه


١ عجز بين لأمية بن أبي الصلت صدره:
لَهُ ما رأتْ عَينُ البَصِيرِ, وفَوقَهُ.
ديوانه ص٧٠ والكتاب ٢: ٥٩ وشرح أبياته ٢: ٣٠٤. وسمائي: مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة، جمع سماء على وزن فَعائل.
٢ المنصف ٢: ٩٤-١٠٢ وشرح الشافية ١: ٢١-٣٢ والإنصاف ص٨١٢-٨٢٠.
٣ الكتاب ٢: ١٧٤ و٣٧٩-٣٨٠.
٤ القصباء: القصب.
٥ الطرفاء: شجر.
٦ كذا، وهو ميزان الأصل قبل الحذف. والصواب: أفعاء.
٧ في النسختين "فإذ وقد". وانظر ص١٥٠ و٢٠٥ و٢٦٨ و٤٣٥.

<<  <   >  >>