للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَّا "سُؤتُه١ سَوايةً". والأصل سَوائِيَة كرَفاهية٢. وحكى الفرَّاءُ "بُراءُ" ممنوعَ الصرف٣، والأصل بُرَآءُ فحُذفت الهمزة التي هي لام. وذلك من القلَّة بحيث لا يقاس عليه، والقلب٤ أوسع منه.

وأيضًا فإنه لو كان الأصل "أَفعِلاء" لكان من أبنية جموع الكثرة، وجموعُ الكثرة لا تُصغَّر على لفظها، بل تُردُّ إلى جموع القِلَّةِ إن كان للاسم جمع قلَّة. وإلَّا تُردُّ على المفرد، ثمَّ يُصغَّر المفرد ويجمع بالواو والنون إن كان مذكَّرًا، وبالألف والتاء إن كان مؤنثًا. فتقول في تصغير فُلُوس: أُفَيلِسٌ، وفي تصغير رجال: رُجَيلُون، وفي تصغير دَراهم: دُرَيهِمات. وهم قد قالوا في تصغير أشياء: أُشَيَّاء فصغَّروها على لفظها. فدلَّ ذلك على فساد مذهبيهما.

ولا يُردُّ بالتصغير على الكسائيِّ؛ لأنَّ "أَفعالًا" من أبنية جموع القلَّة، وجموع القلَّة تصغَّر على ألفاظها. وكذلك لا يُردُّ على الخليل بذلك؛ لأنَّ أسماء الجموع تُصغَّر على لفظها.

وأيضًا فإنَّ "أَفعِلاء" لا يكون جمعًا لـ"فَعْل"٥ ولا لـ"فَيْعِل". فأمَّا قولهم: هَيِّنٌ وأَهوِناءُ، فشاذٌّ لا يقاس عليه. ولا حجَّة للأخفش فيما ذَكَر، من أنَّ "أَفعِلاء" أختُ "فُعَلاء". يعني أنهما يشتركان في كونهما جمعين لـ"فَعِيل"، فكما جمعوا سَمْحًا، وهو "فَعْلٌ"، على سُمَحاء، فكذلك جمعوا شَيئًا، وهو "فَعْلٌ"، على "أَفعِلاء". وذلك أنَّ جمع سَمْح على سُمْحاء شاذٌّ، لا يقاس عليه مثلُه، فكيف نظيره.

فإن قيل: فإنَّ الفرَّاء قد ذهب [٤٩أ] إلى أنَّ "فَيْعِلًَا" في الأصل "فَعِيْل" فقُلب. فإذا كان كذلك فبابه أن يُجمع على "أَفعِلاء". فاجواب أنه تَقَدَّمَ الدليل٦ على فساد مذهبه في ذلك.

وممّا يدلُّ أيضًا على فساد مذهب الفرَّاء أنَّه ادَّعى أنَّ الأصل في شيء: "شيِّئ". وذلك لم يُنطق به في موضع من المواضع. ولو كان شَيء كمَيْتٍ وهَيْنٍ لجاء على أصله، في موضع من المواضع.

فثَبَتَ إذًا أنَّ الأحسن مذهب الخليل، إِذ ليس فيه أكثر من القلب، والقلب كثير في كلامهم.


١ م: سواة
٢ في حاشية ف: لحق مخروم أكثره يتعذر إدراكه.
٣ في حاشية ف بخط أبي حيان "المحفوظ: بُراءٌ، مصروف. قال كثيِّر:
فسِيرُوا بُراءً, في تَفرُّقِ مالِكٍ
بِنَصرٍ, وأرحامٍ يَئطُّ قَرِيبُها".
انظر ديوان كثيِّر ص٢٦٩.
٤ يعني القلب المكاني.
٥ كذا. والصواب "فَيْل" لأنَّ العين حذفت وبقيت الياء الزائدة.
٦ في الورقة ٤٧.

<<  <   >  >>