للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمانع من العطف في هذا الموضع وجود الرابطة القوية بين الجملتين فأشبهت حالة اتحاد الجملتين - ولهذا (وجب أيضاً الفصل)

الموضع الرابع «شبه كمال الانقطاع» وهو أن تُسبق جملة بجملتين يصحُ عطفها على الأولى لوجود المناسبة، ولكن في عطفها على الثانية فساد في المعنى، فيُترك العطف بالمرَّة: دفعاً لتوهّم أنه معطوف على الثانية - نحو

وتظُن سلمى أنَّني أبغى بها بدلاً أراها في الضلال تَهيمُ

فجملة «أُراها» يصحّ عطفها على جملة «تظنُ» لكن يمنع من هذا توهّم العطف على جملة «أبغي بها» فتكون الجملة الثالثة من مظنونات سلمى مع أنه غير المقصود - ولهذا امتنع العطف بتاتاً (ووجب أيضاً الفصل) .

والمانع من العطف في هذا الموضع «أمر خارجي احتمالي» يمكن دفعه بمعونة قرينة» - ومن هذا: وممّا سبق، يُفهم الفرق بين كل من «كمال الانقطاع - وشبه كمال الانقطاع»

«الموضع الخامس - التَّوسط بين الكمالين مع قيام المانع» وهو كون الجملتين مُتناسبتين: وبينهما رابطة قوية - لكن يمنع من العطف مانع، وهو عدم قصد التشريك في الحُكم - كقوله تعالى (وَاذا خَلَوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معَكم إنّما نحنُ مُستهزئون الله يستهزىء بهم»

فجملة «الله يستهزىء بهم» لا يصح عطفها على جملة إنّا معكم» لاقتضائه أنه من مقول المنافقين: والحال أنه من مقولة تعالى «دعاء عليهم» ولا على جملة «قالوا» لئلا يُتوهم مشاركته له في التقييد بالظرف - وأن استهزاء الله بهم مقيد بحال خُلوّهم إلى شياطينهم «والواقع أن استهزاء الله بالمنافقين غيرُ مقيد بحال من الأحوال - ولهذا (وجب أيضاً الفصل)

تنبيهان

الأول - لمّا كانت الحال تجىء جملة، وقد تقترن بالواو، وقد لا تقترن فأشبهت الوصل والفصل، ولهذا يجب وصل الجملة الحالية بما قبلها بالواو إذا خلت من ضمير صاحبتها - نحو جاء فؤاد والشمس طالعة (١)

ويجب فصلها في ثلاثة مواضع


(١) بيان ذلك أن الحال إما مؤكدة - فلا واو: للاتحاد بين الجملتين لأنها مقررة لمضمونها نحو سعد أبوك كريم وإما متنقلة - لحصول معنى حال النسبة (أي نسبة العامل إلى صاحب الحال) فلزم فيها أمران، الحصول والمقارنة: فالحال المفردة صفة في المعنى، فلا تحتاج لواو للاتحاد وأما الحال الجملة - فالمضارع المثبت لا يؤتى له بواو للارتباط معنى، لوجود الحصول والمقارنة معا، فلا حاجة للربط بها - نحو (وجاءوا أباهم عشاء يبكون) - ونحو، قدم الأمير تتسابق الفرسان أمامه، ولا يجوز وجاؤا أباهم عشاء ويبكون، ولا قدم الامير وتتسابق وهذه إحدى المسائل السبع المذكورة في النحو التي تمتنع فيها الواو
الثانية - الحال الواقعة بعد عاطف نحو (فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) .
الثالثة - المؤكدة لمضمون الجملة - نحو (هو الحق لا شك فيه، ذلك الكتاب لا ريب فيه)
الرابعة - الماضي التالي إلا - نحو ما تكلم زيد الا قال خيراً - وقيل يجوز اقترانه بالواو - ما ورد في قوله:
نعم امرؤ هرم لم تعر نائبة إلا وكان لمرتاع وزرا
الخامسة - الماضي المتلو باو، نحو - لأضربنه ذهب أو مكث - ومنه قول الشاعر
كن للخليل نصيراً جار أو عدلا ولا تشح عليه جاد أو بخلا
السادسة - المضارع المنفي بلا - نحو وما لنا لا نؤمن بالله، ما لي لا أرى الهدهد - وقوله
لو أن قوما لارتفاع قبيلة دخلوا السماء دخلتها لا أحجب
السابعة - المضارع المنفي بما - كقوله:
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة فما لك بعد الشيب صبا متيماً
وأبعد الجمل في الصلاح للحالية الجملة الأسمية لدلاتها على الثبوت - لا على الحصول والمقارنة، فيجب فيها الواو - نحو (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) وقد يكتفى فيها بالضمير ندورا - نحو كلمته فوه إلى في - أي مشافهة - ثم الماضي مثبتا لعدم المقارنة فيحسن معها الواو، لان الماضي يدل على الحصول المتقدم لا الحصول حال النسبة.
وتجب «قد» تحقيقا أو تقديراً - لتقربه من الحال، أي لتجعل (قد) الفعل الماضي الدال على حصول متقدم - لا حصول حال النسبة قريبا من حال النسبة، لا من حال التكلم - إذ اللازم في الحال مقارنتها لزمان النسبة لا لزمان التكلم - وإنما اكتفى بهذا التقريب في صحة الحال وان كان اللازم الاقتران - إما لانه ينزل قرب الحال إلى زمان النسبة منزلة المقارنة مجازاً - وإما لانه يعتبر قربها في الفعل هيئة للفعل - فاذا قلت جاءني زيد وقد ركب - فكأنك نزلت قرب ركوبه من مجيه منزلة مقارنته له - أو جعلت كون مجيئه بحيث يقرب منه ركوبه هيئة لمجيئه، وحالا له - قالوا - وتمتنع (قد) مع الماضي الممتنع ربطه بالواو، وهو التالي إلا والمتلو بأو - لكن في (شرح الرضي) - أنهما قد يجتمعان بعد إلا - نحو ما لقيته إلا وقد أكرمني، ويلي الماضي المثبت، الماضي المنفي، لأنه هيئة للفعل بالتأويل، لان قولك جاء زيد ليس راكبا - في قوة جاء زيد ماشيا، فيتحقق الحصول ويستمر غالباً، فيقارن كذلك فيحسن ترك الواو نظراً إلى تحقق الحصول والمقارنة - ويجوز ذكرها أيضا نظراً إلى كونه ما كان هيئة للفعل الا بعد تأويل - ونظراً إلى كون استمراره أغلبياً لا دائمياً والأحسن في الظرف اُذا وقع حالا ترك الواو نظراً للتقدير بمفرد، تقول نظرت الهلال بين السحاب، ومثله الجار والمجرور ن نحو فخرج على قومه في زينته - ونحو أبصرت البدر في السماء - وان جوزوا الواو بتقدير فعل ماض، وما يخشى فيه التباس
الحال بالصفة أتى فيه بالواو وجوباً، ليتميز الحال، فيقال جاء رجل ويسعى - إذا لو قيل: يسعى - لالتبس الحال بالصفة في مثله.

<<  <   >  >>