للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني في كيفية إلقاء المتكلم الخبر للمخاطب]

حيث كان الغرض من الكلام الإفصاح والإظهار، يجب أن يكون المتكلم مع المخاطب كالطبيب مع المريض، يشخص حالته، ويعطيه ما يناسبها.

فحق الكلام: أن يكون بقدر الحاجة، لا زائداً عنها، لئلا يكون عبثاً، ولا ناقصاً عنها، لئلا يخل بالغرض، وهو (الإفصاح والبيان) (١)

لهذا - تختلف صور الخبر في اساليب اللغة باختلاف أحوال المخاطب الذي يعتريه ثلاث أحوال:

أولا - أن يكون المخاطب خالي الذهن من الخبر، غير متردد فيه.

ولا منكر له - وفي هذه الحال لا يؤكد له الكلام، لعدم الحاجة إلى التوكيد نحو قوله تعالى - «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» .

ويسمى هذا الضرب من الخبر (ابتدائياً) ويستعمل هذا الضرب حين يكون المخاطب خالي الذهن من مدلول الخبر فيتمكن فيه لمصادفته اياه خاليا (٢)

ثانياً - أن يكون المخاطب متردداً في الخبر، طالباً الوصول لمعرفته، والوقوف على حقيقته فيستحسن تأكيد (٣) الكلام المُلقى إليه تقوية للحكم، ليتمكن من نفسه، ويطرح الخلاف وراء ظهره، نحو - إن الأمير منتصرٌ.

ويسمى هذا الضرب من الخبر (طلبياً)


(١) كتب معاوية إلى أحد عماله: فقال: لا ينبغي لنا أن نسوس الناس سياسية واحدة، لا نلين جميعا، فيمرح الناس في المعصية ولا نشتد جميعاً، فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون أنت للشدة والغلظة، واكون أنا للرأفة والرحمة.
وكتب أبو العباس السفاح فقال لأعملن اللين حتى لا ينفع إلا الشدة ولأكرمن الخاصة ما امنتهم على العامة، ولأغمدن سيفي حتى يسله الحق، ولأعطين حتى لا أرى للعطية موضعاً.
(٢) عرفت هواها قبل أن اعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
(٣) المراد بالتأكيد في هذا الباب تأكيد الحكم، لا تأكيد المسند إليه ولا تأكيد المسند.
واعلم أن الخطاب بالجملة الاسمية وحدها: آكد من الخطاب بالجملة الفعلية - فاذا أريد مجرد الأخبار أتى بالفعلية - وأما أن أريد التأكيد فبالاسمية وحدها - أو بها مع إن أو بهما وباللام، أو بالثلاثة واقسم، واعلم أن لام الابتداء هي الداخلة على المبتدأ، أو اللاحقة لخبر - كما أن السين وسوف لا تفيدان التوكيد إلا إذا كانت للوعد أو الوعيد.

<<  <   >  >>