وينقسم الجامع إلى داخل وخارج - فالأول - ما كان داخلا في مفهوم الطرفين، نحو قوله تعالى «قطعناهم في الأرض أمماً» فاستعير التقطيع الموضوع لازالة الاتصال بين الأجسام الملتصق بعضها ببعض، لتفريق الجماعة، وإبعاد بعضها على بعض، والجامع إزالة الاجتماع، وهي داخلة في مفهومها، وهي في القطع أشد والثاني، وهو ما كان خارجا عن مفهوم الطرفين، نحو: رأيت أسداً. أي رجلا شجاعاً، فالجامع وهي الشجاعة أمر عارض للأسد، لا داخل في مفهومه، وينقسم الجامع أيضا باعتباره وباعتبار الطرفين، إلى ستة أقسام - لأن الطرفين إما حسيان وإما عقليان (أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس) والجامع في الأول من الصور الأربع تارة يكون حسيا وتارة يكون عقليا وأخرى مختلفا، وفي الثلاث الأخيرة لا يكون إلا عقليا. مثال ما إذا كان الطرفان حسيين والجامع كذلك قوله تعالى (فأخرج لهم عجلا جسداً له خوار) فان المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان المصوغ من (حلى القبط) بعد سبكها بنار السامري، وإلقاء التراب المأخوذ من أثر فرس جبريل (عليه السلام) ، والجامع لهما الشكل والخوار، فانه كان على شكل ولد البقر، مما يدرك بحاسة البصر «ويحث بعضهم بأن ابدال جسداً من عجلا يمنع الاستعارة» . ومثال ما إذا كان الطرفان حسيين، والجامع عقلي - قوله تعالى (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون) أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل، وموضع ظلمته، فان المستعار منه أعنى السلخ وهو كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها والمستعار له: إزالة الضوء عن مكان الليل وموضع ظلمته: وهما حسيان. والجامع لهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر بحصوله عقبه، كترتب ظهور اللحم على السلخ والكشط، وترتب حصول الظلمة على ازالة ضوء النهار عن مكان ظلمة الليل، والترتب عقلي - واجراء الاستعارة - شبه كشف الضوء عن الليل، بكشط الجلد عن نحو الشاة، بجامع ترتب ظهور شيء على شيء في كل، واستعير لفظ المشبه به وهو «السلخ» للمشبه، وهو كشف الضوء، واشتق منه «نسلخ» بمعنى نكشف، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، ومثال ما إذا كان الطرفان حسيين، والجامع بعضه حسي، وبعضه عقلي، قولك رأيت بدراً يضحك - تريد شخصاً مثل «البدر» في حسن الطلعة وعلو القدر، فحسن الطلعة حسي، وعلو القدر عقلي - ومثال ما إذا كان الطرفان عقليين ولا يكون الجامع فيهما إلا عقلياً، كباقي الأقسام، قوله تعالى (من بعثنا من مرقدنا) فان المستعار منه «الرقاد» أي النوم، والمستعار له الموت والجامع بينهما عدم ظهور الأفعال الاختيارية، (والجميع عقلي) - واجراء الاستعارة: شبه الموت بالنوم، بجامع عدم ظهور الفعل في كل، واستعير لفظ المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية - وقال بعضهم عدم ظهور الفعل في الموت أقوى، وشرط الجامع أن يكون في المستعار منه أقوى، فليجعل الجامع هو «البعث» الذي هو في النوم أظهر، وقرينة الاستعارة أن هذا الكلام كلام الموتى، مع قوله «هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون» وعلى هذا يقال: شبه الموت بالرقاد، بجامع عدم ظهور الفعل في كل، واستعير الرقاد للموت واشتق منه «مرقد» اسم مكان الرقاد بمعنى قبر اسم مكان الموت، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية - ومثال ما إذا كان المستعار منه حسيا، والمستعار له عقليا، قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر) فان المستعار منه كسر الزجاجة، وهو أمر حسي، باعتبار متعلقة، والمستعار له التبليغ جهراً والجامع التأثير الذي لا يمكن معه رد كل منهما إلى ما كان عليه «أي أظهر الأمر إظهاراً لا ينمحى - كما أن صدع الزجاجة لا يلتئم واجراء الاستعارة: شبه التبليغ جهراً بكسر الزجاجة، بجامع التأثير الشديد في كل واستعير المشبه به وهو «الصدع» للمشبه وهو التبليغ جهراً - واشتق منه إصدع بمعنى بلغ جهراً، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية - ومثال ما إذا كان المستعار منه عقليا، والمستعار له حسيا، قوله تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) فان المستعار له كثرة الماء كثرة مفسدة وهي حسية، والمستعار منه التكبر، والجامع الاستعلاء المفرط، وهما عقليان، واجراء الأستعارة، شبهت كثرة الماء المفرطة، بمعنى الطغيان، وهو مجاوزة الحد، بجامع الاستعلاء المفرط في كل واستعير لفظ المشبه به، وهو الطغيان للمشبه وهو الكثرة المفرطة، واشتق منه طغى بمعنى كثر كثرة مفرطة، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية. «تنبيه» الاستعارة المكنية تنقسم أيضا إلى أصلية، والى تبعية، والى مرشحة والى مجردة، والى مطلقة، كما انقسمت التصريحية إلى مثل ذلك. فالمكنية الاصلية - هي ما كان المستعار فيها اسما غير مشتق، كالسبع المتقدم والتبعية - هي ما كان المستعار فيها اسما مشتقا، فلا تكون في الفعل ولا في الحرف ومثالها في الاسم المشتق - يعجبني إراقة الضارب دم الظالم، فقد شبه الضرب الشديد بالقتل، بجامع الايذاء في كل، واستعير القتل للضرب الشديد، ثم حذف ورمز أليه بشيء من لوازمه، وهو الاراقة، على طريق الاستعارة المكنية التبعية - فالاستعارة التخييلية عند الجمهور: هي نفس اثبات اللازم المستعمل في حقيقته - وهي من المجاز العقلي، وإنما سميت استعارة: لانه استعير ذلك الاثبات من المشبه به، للمشبه، وسميت تخييلية لان اثباته للمشبه خيل اتحاده مع المشبه به، فقولنا أظفار المنية نشبت بفلان فلفظ «أظفار» في هذا التركيب مستعمل في حقيقته «وانما التجوز في اثباته للمنية» أي أن ذلك الأثبات إثبات الشيء إلى غير ما هو له - فعند الجمهور: التخييلية لا تفارق المكنية، لأنها قرينتها. والاستعارة المكنية المرشحة - هي ما قرنت بما يلائم المشبه فقط، نحو - نطق لسان الحال بكذا - شبهت «الحال» بمعنى الانسان واستعير لفظ المشبه به، للمشبه وحذف ورمز إليه بشىء من لوازمه وهو «لسان» واثبات اللسان للحال تخييل، وهو القرينة، والنطق ترشيح، لأنه يلائم المشبه به فقط وترشيح المكنية فيه خلاف مبسوط في المطولات، والمكنية المجردة - هي ما قرنت بما يلائم المشبه فقط، نحو: نطقت الحال الواضحة بكذا - فالوضوح تجريد، لأنه يلائم المشبه الذي هو انسان فقط. والمكنية المطلقة - هي التي لم تقترن بشيء يلائم المشبه ولا المشبه به - أو قرنت بما يلائمهما معاً - نحو نطقت الحال بكذا - ونطق لسان الحال الواضحة بكذا ففي الأول - شبهت الحال بانسان واستعير لها اسمه وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو النطق، واثبات النطق للحال تخييل، وهي مجردة لانها لم تقترن بشيء يلائمها وفي الثاني - شبهت الحال بانسان واستعير له اسمه «وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «لسان» واثباته للحال تخييل، وهو القرينة، والنطق ترشيح، لأنه يلائم المشبه به، والوضوح تجريد، لأنه يلائم المشبه - ولما تعارضا سقطا، وتنقسم المكنية أيضا إلى عادية - نحو - أنشبت المنية أظفارها بفلان - لأنه لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد (يكون منية وسبعا) ، ووفافية - نحو نطقت الحال بكذا - لأنه يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد. كالحال مع الانسان.